بريطانيا ومتلازمة {الإخوان}
بقلم : د. جبريل العبيدي
* كاتب وباحث ليبي
بعد أن أدرجت الحكومة البريطانية تنظيمي «سرايا الأشتر» و«سرايا المختار» البحرينيين وجماعتي «حسم» و«لواء الثورة» التابعتين لـ«الإخوان» بمصر على قائمة المنظمات الإرهابية، هل سنشهد مقدمة لتصعيد بريطاني تجاه الجماعة والتنظيم الإرهابي، الذي ما انفك يضر بالمصالح البريطانية وإحراجها أمام قصر باكنغهام، أم هي مجرد شدة مؤقتة لشعرة معاوية سرعان ما ترتخي، رغم أن الخارجية البريطانية وصفت قرار البرلمان بالرسالة القوية ضد التنظيم.
التاريخ البريطاني مع تنظيم الإخوان لا ينبئ بتغيير كبير في سياسته تجاه التنظيم، سوى الاستمرار في استخدام هذه الشوكة في خاصرة من تشاء، رغم اكتواء بريطانيا بنيران جماعات إرهابية تلقت دعماً وتنظيماً، بل ومشاركة من التنظيم الدولي الإرهابي، ولكن إصرار البعض من الساسة البريطانيين على التغاضي عن الضرر الذي يسببه التعاطي مع التنظيم من إيواء واحتواء وتجاهل لتحذيرات من دول صديقة، بل وتجاهل مطالبات للشرطة الدولية لشارات ملاحقة دولية تجاه أفراد من التنظيم تأويهم الأراضي البريطانية، لا يخدم أحداً سوى تمدد هذا التنظيم.
تنظيم الإخوان صناعة بريطانية باعتراف جون كولمان، وهو ضابط سابق ووكيل المخابرات البريطانية «MI6» الذي بحث إنشاء جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم سري ماسوني، بدعم من مجموعة ضباط في الجهاز منهم T. E. Lawrence وBertrand Russell وSt John Philby، بهدف «إبقاء الشرق الأوسط إلى الوراء وتحت السيطرة».
وبينما ينفي السفير البريطاني السابق لدى ليبيا، بيتر ميلت، علاقة بلاده بجماعة الإخوان، مؤكداً أن استراتيجية بلاده هي استقرار ليبيا، يؤكد الواقع تحركات السفارة في الشأن الليبي.
يذكر التاريخ ارتباط بريطانيا بتنظيم حسن البنا، الأمر الذي لا يمكن أن ينكره شخص ولد بعد ظهور العلاقة السرية بين التنظيم والاستخبارات البريطانية، منذ أن أسس حسن البنا التنظيم في مصر في مارس (آذار) عام 1928 في الإسماعيلية بتمويل بريطاني بلغ 500 جنيه، وحينها كان الجنيه يساوي 7.5 غرام ذهب، مما يعني أن المبلغ يساوي قرابة مليوني جنيه، بل ومشاركة في التأسيس والدعم باعتراف البنا نفسه.
تشابك العلاقة بين حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان والسفير البريطاني في القاهرة لم تكن خفية، وتلقيه المال منه كان معلوماً، كما كشفت الوثائق في كتاب «العلاقات السرية» للكاتب مارك كيرتس، حيث أشار إلى وجود صلات قوية بين الإنجليز والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضي.
بريطانيا كانت تدعم التنظيم في مواجهة تيار القوميين العرب المتمثل بالقومية العربية، والبعيد عن النزعات العقائدية، وللحفاظ على حالة الانقسامات في الشرق الأوسط، ولمنع أي اقتراب عربي من إقامة كيان عربي موحد، حيث التقى التنظيم مع السياسة البريطانية في العداء للقومية العربية، فسعياً لتقويض أي تقارب قومي عربي، بل إلى جعل الدعوة إلى أي حراك قومي عربي بمثابة خطر يهدد كيان تنظيم الإخوان الذي يزعم تبني شعار «الإسلام أمة واحدة»، ونعرف أن تنظيم حسن البنا يحمل اسم «الإخوان المسلمين» وليس إخوان المسلمين، وهناك فرق بين المعنيين والهدف، مما يؤكد سيطرة فكرة الخصوصية على جماعة البنا، وأنهم وفق زعمه هم فقط المسلمون، والإخوة مقتصرة بين أفراد التنظيم، لا عموم المسلمين، وإلا لكانت التسمية إخوان المسلمين بدلاً من الإخوان المسلمين.
تنظيم الإخوان الذي تنقل بين التكوين السري والمرشد الخفي وخزنة الأسرار إلى أخطبوط الأتباع والمحبين العابر للحدود، حيث لا يوجد للتنظيم سوى مرشد واحد ومراقبين كثر في باقي البلدان، مما يؤكد التبعية للمرشد العابرة لحدود الدول والجغرافيا الوطنية، مما يشكل خللاً في الانتماء الوطني بل تعارضاً معه، إلى شبكة تقاطع المصالح الخاصة بالتنظيم الدولي الذي أصبح دولة داخل الدولة.
علاقة الحكومات البريطانية المتعاقبة من أربعينات القرن الماضي كانت توفر الدعم والحماية واللجوء السياسي لعناصر وقيادات التنظيم، بل لم تسمح حتى للشرطة الدولية بملاحقة عناصر التنظيم قضائياً إذا استدعى الأمر، في ظل الحديث عن وجود استثمارات للتنظيم بعشرات المليارات في بريطانيا.
البراغماتية السياسية التي يمارسها البعض في الحكومات البريطانية في موضوع تنظيم جماعة الإخوان، يجعل من الصعب التأكد من أن الخطوات التي اتخذتها السلطات البريطانية بإدراج جمعيات مرتبطة بشكل مباشر بالتنظيم بقائمة الإرهاب هي مقدمة جادة في اتجاه فك الارتباط بهذا التنظيم، مما يجعل الباب مفتوحاً لمزيد من الإجراءات، وحتى المفاجآت والضحايا البريطانيين وغيرهم بين مترو الأنفاق والدهس والسحل في الشوارع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق