المزيد من التفاصيل ,, بتوسع
----------------------
**
عرض للكتاب بالفيديو للدكتورة فدوى النصيرات
--------------------------------------------
عرض للكتاب بالفيديو للدكتورة فدوى النصيرات
--------------------------------------------
فرفضوا الحصول على ما كان يسمى الجنسية العثمانية آنذاك والخضوع لأحكام الدولة، مصرين على اتخاذ فلسطين وطناً قومياً لهم؛ هذا ما يبينه كتاب -دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين-
صادر حديثاً عن دراسات الوحدة العربية- بيروت
لمؤلفته الدكتورة فدوى نصيرات؛
والتي توضح في كتابها المهم تلك الفجوة الواسعة بين النظرية والتطبيق في سياسة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وازدواجية قراراته في منع الهجرة والاستيطان في فلسطين؛
فأهم الأسباب التي حالت دون تنفيذ قراراته هذه كانت تدخل الدول الأجنبية لمصلحة الصهاينة؛ وذلك وفقاً لنظام الامتيازات الأجنبية الذي شدد الخناق على عبد الحميد الثاني؛ وجعله في حالة اضطراب عند إصداره الفرمانات؛ ومن ثم التراجع عنها أو تعديلها وفقاً لمصالح الدول الكبرى؛ حيث يفضح الكتاب حقيقة تلك القرارات والفرمانات الحميدية التي ناقضت نفسها غير مرة؛ واعتبرها المؤرخون عيباً كبيراً في سياسة هذا السلطان العثماني تجاه فلسطين؛
فما المعنى- تتساءل الكاتبة- من أن تنطبق قيود الدخول فقط على اليهود الذين يأتون إلى فلسطين في جماعات، أما هؤلاء الذين كانوا يصلون مع عائلاتهم من اليهود فلهم مطلق الحرية؟! ثم إن الربط المباشر لعبد الحميد الثاني-
كما يبين الكتاب- بين متصرفية القدس والأستانة يعدّ أقوى دليل على علم عبد الحميد الثاني بكل ما كان يجري في فلسطين؛ وليس الولاة والحكام المرتشون فقط هم من يتحملون مسؤولية ضياع فلسطين كما تحاول الوثائق السلطانية لآل عثمان أن تبين في معرض دفاعها عن سلطانها؛
فعبد الحميد الثاني كما عُرف عنه كان متتبعاً للصحافة الأوروبية ولمؤلفات الصهاينة التي كانت تدل بشكل مباشر واضح لا لبس فيه على أطماع الحركة الصهيونية في أرض فلسطين العربية،
فرغم استشعاره ومعرفته للخطر الصهيوني؛ إلا أن عبد الحميد لم يأخذ من الإجراءات ما يمنع من خلاله تسلل اليهود إلى أرض كنعان.
ليس هذا وحسب؛ بل يفضح الكتاب سياسة عبد الحميد الثاني عبر استعراض المفاوضات الطويلة الأمد التي استغرقها سلطان الباب العالي مع ثيودور هرتزل زعيم الحركة الصهيونية، وكيف أن هذا الأخير استمال عبد الحميد الثاني بالأموال الصهيونية كخطوة لتخفيف الدين العام لسلطنته، وإنعاش البلاد اقتصادياً؛ فأكثر الفرمانات الرسمية التي أصدرها هذا السلطان والتي تدل على مواقفه الحاسمة من الحركة الصهيونية؛ كانت عام 1891م إذ جاءت وقتذاك كرد فعل من السلطان على احتجاج الأهالي في فلسطين من أجل وقف الهجرة الصهيونية،
وكذلك هناك الفرمانات الجزئية التي سمحت لليهود ببناء المستعمرات؛ فكانت سنداً قوياً في يد الصهيونية للتوسع في شراء الأراضي؛ الأمر الذي لم يكن ليغيب عن بال عبد الحميد الثاني الذي اشتهر بدهائه وحنكته.
لقد تمثلت ردود الفعل الحميدية على العرائض والشكاوى التي رفعها أهالي فلسطين للسلطان، مطالبين خلالها بوقف المد الصهيوني على أراضيهم؛ بالتراجع مدة زمنية قصيرة ليس لها أي تأثير يذكر، إذ سرعان ما تم تعديلها من قبل الباب العالي لمصلحة الصهاينة،
وهذا ما تثبته الصحف العربية الصادرة نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؛
إضافةً للعرائض والشكاوى التي قدمها العرب الفلسطينيون على أن عبد الحميد الثاني كان على علم ودراية تامة بكل ما يجري على أرض فلسطين؛ فقد فشلت سياسة عبد الحميد في منع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين نتيجة ازدواجية مقصودة منه تمنع هنا وتسمح هناك، فقد منع الهجرة على شكل جماعات، فيما سمح لها بشكل إفرادي، أو عائلات؛ وهذا ما يفسر لنا تزايد أعداد اليهود في فلسطين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1882، وازدادت نسبة اليهود من 5 في المئة إلى 11 في المئة من مجموع السكان في فلسطين؛
فلم يتمركز اليهود في القدس والخليل وصفد وطبريا فحسب، بل في يافا وحيفا وغيرها من المدن الفلسطينية، لتشكّل موجات الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين القاعدة المادية، أو البنية التحتية لإنشاء الكيان الإسرائيلي لاحقاً؛ إذ أدت إلى إدخال مزيد من رؤوس الأموال اليهودية، وتالياً إلى توسيع النفوذين الاقتصادي والسياسي للحركة الصهيونية؛ بل ومكنتها من السيطرة على الأرض الفلسطينية وزيادة حجم استثماراتها الاقتصادية. حقائق تكشفها الباحثة نصيرات في كتابها ولاسيما مضمون الرد الرسمي والجواب النهائي من عبد الحميد ورجالاته على مطالب ثيودور هرتزل باستصدار فرمانات سلطانية تسهل حركة بيع الأراضي الفلسطينية؛ حيث جاء هذا الرد على شكل نصيحة كُتبَ فيها: ادخلوا هذه البلاد كرجال مال وكونوا أصدقاء؛ بعد ذلك يمكن لكم أن تفعلوا ما تشاؤون!.
نقع في الكتاب الذي يتألف من 255 صفحة من القطع المتوسط على وقائع تاريخية جهدت الباحثة نصيرات في تحليلها ومقاربتها علمياً وتاريخياً؛ إذ يسجل كتابها كل صغيرة وكبيرة متعلقة بسياسة ومواقف عبد الحميد الثاني تجاه فلسطين؛ فلا يترك شاردةً أو واردةً إلا ويقوم بتوثيقها
كما يرى الباحث خالد حروب الذي قدم لكتاب نصيرات؛
فنحن هنا لسنا أمام سجال، بل أمام حقائق دامغة ومسندة تاريخياً، تتجلى في توثيق الباحثة لتفاصيل الزيارات الخمس التي التقى فيها ثيودور هرتزل بالصدر الأعظم بين عامي 1896و1902 – اثنتان منها على نفقة الباب العالي- حيث نلتقط بسرعة ومن خلال التفاصيل تردد عبد الحميد الثاني وتساهله إزاء هرتزل؛ ومحاولته استكشاف مدى صدقية الزعيم اليهودي وقدرته على الوفاء بوعوده التي خلعها للسلطان مقابل الحصول على صك يمنح فلسطين قانوناً للصهاينة...
تبحر الباحثة نصيرات في وسط أمواجٍ تاريخية كثيفة، فتلتقط مسار علاقة عبد الحميد بهرتزل لتصل بالقارئ إلى السؤال الكبير التالي:
إذا كان عبد الحميد الثاني قد رفض عرض هرتزل بلقائه الأول به سنة 1896 – كما يزعم بعض المؤرخين - والذي اعتاش تاريخياً على المقولة التي قيل إنه رد بها بحزم برفض بيع فلسطين مهما كان الثمن على عرض زعيم الصهاينة؛ فلماذا التقى عبد الحميد الثاني هرتزل عدة مرات بعدها؟
بل واستضافه في اسطنبول وعلى نفقته الخاصة؟
وأمر خاصته بالحرص عليه والاعتناء به ووفادته؟!
لقد شهدت الإمبراطورية العثمانية في العهد الحميدي الهزيع الأخير من عمرها، إذ كانت تئن تحت وطأة الديون المتراكمة والضغوط والانشقاقات الداخلية، وتهديدات القوى الغربية؛ سواء عبر الحروب الدائمة التي أكلت من أراضي السلطنة؛ أو من خلال التدخلات المتواصلة في شؤونها الداخلية؛ وهذا ما جعل السلطان يشعر بضغط الحاجة المالية المُلحة والتي كان يدركها هرتزل، فكان هذا الأخير يبني وعوده للسلطان حولها،
ومن جهةٍ ثانية، كان عبد الحميد الثاني يعي أن أي فرمانٍ رسمي بمنح أراضي فلسطين لليهود سيجعله خائناً في عيون المسلمين وكتب التاريخ؛ ولذلك وجد عبد الحميد في موقف التردد وغياب الحسم والتراخي مخرجاً له من هذا المأزق، وقناعاً لتفريطه الفادح بفلسطين للصهاينة عبر سنوات من المماطلة وعدم الحسم معهم، وهي كما أسلفت السنوات التي مكنت اليهود من توسيع نفوذهم ومصالحهم الاقتصادية ومن ثم تأسيس عصاباتهم الإجرامية لاحقاً للسيطرة على الوطن الفلسطيني واقتلاع شعبه منه؛
لقد استثمر الصهاينة تردد السلطان والأبواب المواربة التي تركها لهم عمداً إلى الحد الأقصى، وذلك من خلال إقامة البنية التحتية الاستيطانية لما يسمى وطناً قومياً لهم على أرض فلسطين. إن المفارقة الكبرى التي يكشفها الكتاب من دون لبس أو مواربة هي أنه تم إنجاز التأسيس للكيان الصهيوني عملياً وواقعياً في عهد السلطان الذي رفض لفظياً وشعاراتياً إعطاء فلسطين لليهود.!!
المزيد من التفاصيل ,, بتوسع
المزيد من التفاصيل ,, بتوسع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق