شذرات حول خطاب الرواية السورية

. . ليست هناك تعليقات:




غالب الظنّ أن عطباً ما رافق نشأة الرواية السورية. السؤال: إلى ما أفضى إليه هذا العطب، يماثل في قيمته سؤالَ من أين أتى.

***
يميل رأي نقاد قلة ومتابعين حذرين إلى القول إن أرضية الرواية السورية – في العموم- ساذجة، إنْ لم تكن معتلة ومعتقلة. إنها مريضة بالتماثلات الرائجة، التي لا تخلف غير الخيبة والإحباط. تبدأ من تذكّر وهميّ؛ مثالاً على إكراهها نموذجيةً وموضوعية. بدل أن تنبعث من عين محدقة ونظرة شرهة، تقوم بتأطير صورة منجزة، وعوض أن تكسر غاية اللغة، ترضخ لاعتياديّتها الجامدة، وكي لا تحرج أمام التجربة الفعلية تستقدم واقعاً مشتركاً مفترضاً لتعكس على أرضه حصانتها الشاحبة ورشدها الوعظي الخانق!

***
إن بناء معظم الروايات الجديدة خالٍ من الصرامة الأسلوبية والعمق المعرفي وصلابة الدقة الباردة. إنها صيغ طارئة لموضوعات ساخنة مغرية. انتقلت حمّى قصيدة السخط الغاضبة، باعتباطيتها النهمة واللامبالية، بعدما أفسدت الأذواق بقابلية تقليدها المعدية، إلى الرواية. ومع ذلك فإن محاولات أخرى دؤوبة ومستمرة من دون انقطاع، من دون كلل، تخوض قولاً آخر. لا شك في أن الحاجة إلى الكلام والمحادثة لاتزال حية نابضة، لكنها في الآن مشتتة إن لم تكن متماثلة وأقرب إلى تقرير فوري عن اللحظة - الحدث. ينساق الكاتب مع تدفق رغبته في الحكي من دون ضبط، من دون وقف، فيتشابه المكتوب مع المحكي والخاص مع العام والفرد مع المجتمع والمقموع مع المستبد.

***
عدا كونها، أي الرواية الجديدة، مهمومة بعرض الكثير والكثير من كل شيء، فهي، ربما لذلك تماماً، تفتقر إلى الكثافة التي تحمي أي فن من السقوط والنسيان. وهي على رغم مرونتها وانسيابها، تبدو عديمة التناسق. الواقع صلب وقاس وممزق، لكن مرآته الناجية رقيقة وصورها غافلة، من دون ضجر الحالم الأسير ولا عنف المكتوم الممتلئ ولا لكنة الأجنبي الغريبة. ثمة ما يجعلنا نرى تماثلاً بين التواري والظهور. وإذا كان من رواية لا تستطيع أن تكون واقعية بالحرف فهي الرواية السورية.

***
الشخوص معابر للكلام، والكلام يجاورها ولا يضيئها، يتجاوزها ولا يمسها، يسميها ولا يعرفها. الكلام عام موضوعي عملاني إجرائي تقني، مفهوم وواضح. إن شخوصاً موسومة وموصومة بالعمومية ومرادفاتها تنزع عن ذواتها وجهها ونبرتها وكيانها. إنها منهوبة للتحقق والتشابه والاكتمال، في حين أن ما بقي من الفن كان نتاج عدم التحقق، اللاتشابه الرفيع، والنأي النهم. إنها لصورٌ ومجتزءات وقائع، شبه سير ذاتية، طعنٌ خطابي في السياسة والمجتمع. ربما الرواية الجديدة المأمولة، عدا أدبيتها المختلفة، هي نتيجة (حرب أهلية) بين الأبناء والآباء، بين الأبطال النموذجيين والشخصيات غير الوظيفية، بين الفرد وحيداً خافتاً ومهترئاً والبطولة قاحلة ومتعسفة وعميمة. لسنا في معرض تأييد الفن بالفن. هذا عهد مضى وغدا بلا معين يمكن الاستناد إليه. في الآن ذاته فإن تهديف الرواية وتصويبها، توسلها الغائي والتثويري والتقريري يترك من النتائج المخيبة ما تركته جالية الفن لنفسه. لكن النسب في الأدب غير النسب في المكان والنسل. وعلينا ألا نغفل أن ميراث البشر من الفنون هو لكل اللغات ولكل الألسنة.

***
ثمة ما يطفو على السطح، لكن الأهم هو ما يكتبُ داخل الخنق نفسه. لعل الأدب يبنى هنا، الآن، في روح المنسي الطافية! حكاياتنا الحديثة موضوعة في لهاث وتوتر مستمرأين بسبب عطالتها الفكرية وهروبها من الوقوف في وجه الكلام- كلماتها هي بالذات، وهي بذلك وعبر كثرة كلامها تخفي رعبها وعزلتها. الإخفاء بدل تثبيت التأمل على الخوف وعلى الإهانة، فقدان التأمل الماورائي، وذلك في إحلال التذكر محله عبر نشرات رخوة في اعتباط مزاجي، وتصحيف توثيقي بصيغ جازمة. التذكر هنا مزيج من استحواذ ضبابي، وإسهاب غامر. التوثيق، للتأكد والثبوت، مشفوع برصد الواقع على ما فيه من تحول العزلة نفسها إلى نسيان مضاعف، وجعل العمل العام، المشترك المفتوح، أسوأ ما يمكن عمله. لسنا في معرض الثناء على الغموض، إذ ما من رواية غامضة في سورية. الوضوح السوري مربك، إذا ما اعتبرنا نقل الحقيقة الحقيقة كلّها.

***
ألم تضع (الثورات- الكوارث) مجتمعات بكاملها بين فكّي التاريخ؛ إزاء وحش وفي سبيله الإجباري؟ فما أرهقته ونهبته ولطخته الثورة سيدمره البسيط الجاري خلفها، وما مجّده حسناً التاريخي سيتلقفه الحاضر بلا خدش ولا كرب دائماً في تصنيف خارج الزمن! بسيطنا قناعنا الجديد، قناعنا الأخطر، وبه وعليه سيتم تحويل الفن إلى تسلية وجبر كسور، ومن التسلية إلى دين جديد! ثم ألا يخفي البسيط الواثق نتيجة مخيبة عن تعب المخيلة وخمول الفكر ونسيان الواقع؟

***
تسعى الرواية الحديثة المعاصرة إلى إنجاز طباقي مع واقعها؛ إنها تكمل التفكير الأفقي الواضح. إنها عامة ومفهومة، أي أنها تلبي ضعف التفكير وضعف الواقع. إنها تكافئ وتعزز نسيان الحاجة إلى انقلاب القيم، التي انقلبت بالفعل على نحو مدمر. إنها غير متقدمة لأنها غير قادرة، وغير متأخرة لأنها بلا ذاكرة. تكبت غريزة الأوهام لمصلحة حقائق واهية، وتقصف الخيال في خراب معنى مستبد. في كل رواية مهمة هناك شيء لا يتحقق. في كل رواية هناك الإمكانية المتألقة لوجود الأوهام، هناك فسحة انتظار وإرجاء رقيق وتأمل مفتون بما لم يتحقق.

***
مسعى من مساعي الرواية السورية خلق وقائع توازي حقائق سياسية واجتماعية. بدل الخوض في وحل الحقيقة كما هي - إذا كان يجدر الخوض - تنأى وتبقى نظيفة مما صدرت عنه. تظل نموذجية، تبحث عن خلاصة، غير أن الواقع ربما، على حقيقته، ليس مثالاً حتى يضيء الكتابة.

***
وحدها الفضيحة تنقذ الكتابة، فالخيانة ملاذ الملعونين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة