زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى تونس: ضرب محرّكات النمو..ودعم لوبيات الداخل والخارج
أثار تقرير بعثة صندوق النقد الدولي الذي جاء اثر زيارتها الأخيرة إلى تونس من 11 الى 17 جويلية 2019 لمتابعة التطورات الاقتصادية والنقدية في إطار اتفاق «تسهيل الصندوق الممدد» بين تونس والصندوق الذي انطلق في سنة 2016 وينتظر أن ينتهي في أفريل 2020 ، أثار استغرابا وتساؤلات عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين في باب تقييم الوضع الاقتصادي والنقدي بالبلاد والتوصيات المقترحة.
مرة أخرى أكد التقرير، الذي شكل موضوع الندوة الصحفية التي انعقدت يوم الاربعاء 17 جويلية الجاري بحضور محافظ البنك المركزي عن الجانب التونسي، وبيورن روتر عن صندوق النقد الدولي، الفجوة العميقة بين متطلبات الاقتصاد التونسي من جهة، وبرامج وتوجهات صندوق النقد الدولي التي جاءت في صيغة شروط لحصول تونس على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار على أقساط.
بيان بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس لم يخف تناقضات سجلها بين أداء الاقتصاد التونسي من جهة، والمؤشرات الاقتصادية والمالية من جهة ثانية. ففي الوقت الذي سجل فيه البيان ارتياحه لنتائج السياسة النقدية المتشددة التي يتبعها البنك المركزي بتوصية من الصندوق لاحتواء تضخم مصدره غير نقدي، وارتياحه لسياسة مالية عمومية تقشفية لمزيد الضغط على نفقات الميزانية، كانت نتائج الاقتصاد الكلي مفزعة وخاصة في مستوى نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي التي بلغت 0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 بالأسعار القارة لسنة 2010 فضلا عن تراجع أداء القطاع الصناعي خلال نفس الفترة وهو ما عبر عنه البيان بزيادة المخاطر المحيطة بافاق الاقتصاد لسنة 2019 ليراجع الصندوق نسبة النمو نحو التخفيض من 3.1 بالمائة مقدرة في ميزانية الدولة لسنة 2019 الى 2 بالمائة.
ما يثير الاستغراب في تعاطي الحكومة مع تحاليل خبراء صندوق النقد الدولي التي تستند إلى النظريات الاقتصادية الليبرالية قبولها بإسقاط النظرية الليبرالية على اقتصاد هش وغير مهيكل على غرار الاقتصاد التونسي الذي يعاني من أزمة مديونية حادة وتوقع تحقيق نتائج مماثلة لتلك المسجلة في الاقتصاديات الليبرالية والبلدان المصنعة التي تتحكم في الأسواق العالمية من خلال عملتها القوية.
لقد استند برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي والذي تعهدت بتنفيذه الدولة التونسية من خلال الحكومات التي جاءت بعد انتخابات 2014 إلى تقليص عجز ميزانية الدولة لتقليص لجوئها إلى التداين الخارجي والداخلي من خلال الضغط على النفقات بشقيها التصرف والتنمية في اتجاه الضغط على كتلة الأجور وتقليص الدعم وتجاهل متطلبات نفقات الاستثمار العمومي.
حكومة الشاهد نجحت في تمرير مشروعي ميزانية دولة وقانون مالية على أساس عجز للميزانية في حدود 3.9 بالمائة مقابل 4.9 بالمائة في سنة 2018 لتجني شهادة رضا من قبل صندوق النقد الدولي في كل مراجعة وتقييم لتقدم مسار الإصلاحات تترجم إلى تسريح ما تبقى من أقساط قرض «تسهيل الصندوق الممدد» وهو ما حصل في نهاية المراجعة الخامسة مؤخرا.
كما جنى البنك المركزي شهادات رضاء مماثلة على انضباطه في الترفيع الدوري لنسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي لتصل في ظرف وجيز الى 7.75 بالمائة وتساهم حسب تحليل صندوق النقد الدولي والبنك المركزي في تقليص نسبة التضخم من 7.7 بالمائة السنة الماضية إلى 6.8 بالمائة في شهر جوان 2019 .
ولئن عبر بيان الصندوق عن خيبة أمله في النتائج المسجلة في مستوى نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع أداء القطاع الصناعي، فقد جاء ذلك بطريقة برّأ فيها دور سياسة تقشف المالية العمومية والسياسة النقدية المتشددة ليربط هذا التراجع بزيادة ارتفاع أسعار النفط وارتفاع سعر الدينار مقابل الدولار والأورو.
مثل هذا التحليل الذي يتطابق مع طرح الحكومة والبنك المركزي يخفي حقائق خطيرة تتعلق بجدوى الإصلاحات وأهدافها الحقيقية حيث ترجمت إلى مزيد تدهور المقدرة الشرائية للمواطن وتراجع جودة الخدمات العمومية واندثار البعض منها، وقطاعات مثل النقل بأنواعه الثلاثة والصحة والتعليم خير شاهد على ذلك، وتفاقم البطالة وتفاقم عجز الميزان التجاري وتفاقم المديونية.
لقد استهدفت هذه السياسات بطريقة ممنهجة محركات النمو الثلاثة ممثلة في الاستهلاك والاستثمار والتصدير وحافظت في المقابل على مصالح الشركات الأجنبية ولوبيات الداخل والخارج وفتحت أمامها كل الأبواب للاستيلاء على مقدرات البلاد وثرواتها الطبيعية والبشرية.
ففي باب الاستهلاك أدت سياسة التقشف إلى تجميد الأجور وتجميد الانتدابات وتقليص نفقات الدعم بما ساهم في مزيد تدهور المقدرة الشرائية، لتعمق السياسة النقدية هذا التدهور من خلال الترفيع في نسبة الفائدة والضغط على قروض الاستهلاك ، واتباع سياسة صرف مرنة، كما يصفها صندوق النقد الدولي بالتخلي عن الدينار الذي واصل انزلاقه بما ساهم في ارتفاع الأسعار، لتساهم هذه السياسات في ضرب الاستهلاك والطلب الداخلي كمحرك للنمو.
إن القول بأن تراجع نسبة التضخم يعود الفضل فيه إلى السياسة النقدية المتشددة هو اعتراف خطير باعتبار تداعيات هذه السياسة على الطلب الداخلي في الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة التحرك على مستوى الأسعار ومسالك التوزيع وتوفير العرض وحماية الدينار من الانزلاق اللامتناهي، بما يساهم فعليا في التحكم في الأسعار دون ضرب المقدرة الشرائية والطلب الداخلي.
وما يبعث على التخوف في الأيام القليلة القادمة هو إصرار هذه الجهات الثلاث من حكومة وبنك مركزي وصندوق نقد دولي على الإمعان في ضرب المقدرة الشرائية وضرب الطلب الداخلي كمحرك للنمو بناء على ما جاء في بيان صندوق النقد الدولي حيث جاء في نص البيان أنه «ينبغي أن تظل السياسة النقدية موجهة نحو تخفيض التضخم الذي يقلص المقدرة الشرائية للمواطنين، بينما يمكن لمرونة سعر الصرف، أي مزيد انزلاق الدينار، أن تدعم التحسن في الحساب الجاري والاحتياطيات الدولية».
أما في باب الاستثمار، فقد ساهمت سياسة التقشف من خلال رفع الدعم عن المحروقات في إثقال كلفة الإنتاج في كل القطاعات. كما ساهمت السياسة النقدية من خلال الترفيع في نسبة الفائدة في الترفيع في كلفة التمويل من جهة، ومن جهة ثانية من خلال انزلاق الدينار في تحمل قطاع الإنتاج نفقات إضافية بعنوان توريد المواد الأولية ونصف المصنعة والمعدات، لتساهم هذه السياسات هي أيضا في ضرب الاستثمار كمحرك ثان للنمو.
قطاع التصدير لم ينج هو الآخر من سياسة التدمير والاستهداف ليشهد نفس المصير. ففضلا عن أن هيكلة الصادرات لم تتغير منذ الاستقلال إلى اليوم فان تدمير منظومة الإنتاج، من خلال التوريد المكثف، وضرب الاستثمار من خلال سياسة مالية عمومية تقشفية وسياسة نقدية تقوم على الترفيع المتواصل لنسبة الفائدة، حال دون تطور هذا القطاع. والادعاء بان سياسة صرف مرنة ستساهم في دفع التصدير هو مردود على أصحابه في ظل ضرب منظومة الإنتاج وتدهور القدرة التنافسية للمنتوج التونسي بسبب ارتفاع كلفة الاستثمار والاعتماد على توريد مدخلات الإنتاج فضلا عن ارتفاع أسعار المحروقات وتداعيات ذلك على كلفة الإنتاج.
شهادات الرضاء التي وزعها صندوق النقد الدولي على الحكومة والبنك المركزي يسدد فاتورتها يوميا المواطن التونسي، والصناعة التونسية، والفلاحة التونسية، وجميع الأنشطة الخدماتية التونسية واستثمرتها حكومة الشاهد وأحزاب الائتلاف بما في ذلك حزب الشاهد الجديد لتثبيت مواقعها في السلطة وضمان ديمومتها بعد انتخابات 2019 .
مرة أخرى أكد التقرير، الذي شكل موضوع الندوة الصحفية التي انعقدت يوم الاربعاء 17 جويلية الجاري بحضور محافظ البنك المركزي عن الجانب التونسي، وبيورن روتر عن صندوق النقد الدولي، الفجوة العميقة بين متطلبات الاقتصاد التونسي من جهة، وبرامج وتوجهات صندوق النقد الدولي التي جاءت في صيغة شروط لحصول تونس على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار على أقساط.
بيان بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس لم يخف تناقضات سجلها بين أداء الاقتصاد التونسي من جهة، والمؤشرات الاقتصادية والمالية من جهة ثانية. ففي الوقت الذي سجل فيه البيان ارتياحه لنتائج السياسة النقدية المتشددة التي يتبعها البنك المركزي بتوصية من الصندوق لاحتواء تضخم مصدره غير نقدي، وارتياحه لسياسة مالية عمومية تقشفية لمزيد الضغط على نفقات الميزانية، كانت نتائج الاقتصاد الكلي مفزعة وخاصة في مستوى نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي التي بلغت 0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 بالأسعار القارة لسنة 2010 فضلا عن تراجع أداء القطاع الصناعي خلال نفس الفترة وهو ما عبر عنه البيان بزيادة المخاطر المحيطة بافاق الاقتصاد لسنة 2019 ليراجع الصندوق نسبة النمو نحو التخفيض من 3.1 بالمائة مقدرة في ميزانية الدولة لسنة 2019 الى 2 بالمائة.
ما يثير الاستغراب في تعاطي الحكومة مع تحاليل خبراء صندوق النقد الدولي التي تستند إلى النظريات الاقتصادية الليبرالية قبولها بإسقاط النظرية الليبرالية على اقتصاد هش وغير مهيكل على غرار الاقتصاد التونسي الذي يعاني من أزمة مديونية حادة وتوقع تحقيق نتائج مماثلة لتلك المسجلة في الاقتصاديات الليبرالية والبلدان المصنعة التي تتحكم في الأسواق العالمية من خلال عملتها القوية.
لقد استند برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي والذي تعهدت بتنفيذه الدولة التونسية من خلال الحكومات التي جاءت بعد انتخابات 2014 إلى تقليص عجز ميزانية الدولة لتقليص لجوئها إلى التداين الخارجي والداخلي من خلال الضغط على النفقات بشقيها التصرف والتنمية في اتجاه الضغط على كتلة الأجور وتقليص الدعم وتجاهل متطلبات نفقات الاستثمار العمومي.
حكومة الشاهد نجحت في تمرير مشروعي ميزانية دولة وقانون مالية على أساس عجز للميزانية في حدود 3.9 بالمائة مقابل 4.9 بالمائة في سنة 2018 لتجني شهادة رضا من قبل صندوق النقد الدولي في كل مراجعة وتقييم لتقدم مسار الإصلاحات تترجم إلى تسريح ما تبقى من أقساط قرض «تسهيل الصندوق الممدد» وهو ما حصل في نهاية المراجعة الخامسة مؤخرا.
كما جنى البنك المركزي شهادات رضاء مماثلة على انضباطه في الترفيع الدوري لنسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي لتصل في ظرف وجيز الى 7.75 بالمائة وتساهم حسب تحليل صندوق النقد الدولي والبنك المركزي في تقليص نسبة التضخم من 7.7 بالمائة السنة الماضية إلى 6.8 بالمائة في شهر جوان 2019 .
ولئن عبر بيان الصندوق عن خيبة أمله في النتائج المسجلة في مستوى نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع أداء القطاع الصناعي، فقد جاء ذلك بطريقة برّأ فيها دور سياسة تقشف المالية العمومية والسياسة النقدية المتشددة ليربط هذا التراجع بزيادة ارتفاع أسعار النفط وارتفاع سعر الدينار مقابل الدولار والأورو.
مثل هذا التحليل الذي يتطابق مع طرح الحكومة والبنك المركزي يخفي حقائق خطيرة تتعلق بجدوى الإصلاحات وأهدافها الحقيقية حيث ترجمت إلى مزيد تدهور المقدرة الشرائية للمواطن وتراجع جودة الخدمات العمومية واندثار البعض منها، وقطاعات مثل النقل بأنواعه الثلاثة والصحة والتعليم خير شاهد على ذلك، وتفاقم البطالة وتفاقم عجز الميزان التجاري وتفاقم المديونية.
لقد استهدفت هذه السياسات بطريقة ممنهجة محركات النمو الثلاثة ممثلة في الاستهلاك والاستثمار والتصدير وحافظت في المقابل على مصالح الشركات الأجنبية ولوبيات الداخل والخارج وفتحت أمامها كل الأبواب للاستيلاء على مقدرات البلاد وثرواتها الطبيعية والبشرية.
ففي باب الاستهلاك أدت سياسة التقشف إلى تجميد الأجور وتجميد الانتدابات وتقليص نفقات الدعم بما ساهم في مزيد تدهور المقدرة الشرائية، لتعمق السياسة النقدية هذا التدهور من خلال الترفيع في نسبة الفائدة والضغط على قروض الاستهلاك ، واتباع سياسة صرف مرنة، كما يصفها صندوق النقد الدولي بالتخلي عن الدينار الذي واصل انزلاقه بما ساهم في ارتفاع الأسعار، لتساهم هذه السياسات في ضرب الاستهلاك والطلب الداخلي كمحرك للنمو.
إن القول بأن تراجع نسبة التضخم يعود الفضل فيه إلى السياسة النقدية المتشددة هو اعتراف خطير باعتبار تداعيات هذه السياسة على الطلب الداخلي في الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة التحرك على مستوى الأسعار ومسالك التوزيع وتوفير العرض وحماية الدينار من الانزلاق اللامتناهي، بما يساهم فعليا في التحكم في الأسعار دون ضرب المقدرة الشرائية والطلب الداخلي.
وما يبعث على التخوف في الأيام القليلة القادمة هو إصرار هذه الجهات الثلاث من حكومة وبنك مركزي وصندوق نقد دولي على الإمعان في ضرب المقدرة الشرائية وضرب الطلب الداخلي كمحرك للنمو بناء على ما جاء في بيان صندوق النقد الدولي حيث جاء في نص البيان أنه «ينبغي أن تظل السياسة النقدية موجهة نحو تخفيض التضخم الذي يقلص المقدرة الشرائية للمواطنين، بينما يمكن لمرونة سعر الصرف، أي مزيد انزلاق الدينار، أن تدعم التحسن في الحساب الجاري والاحتياطيات الدولية».
أما في باب الاستثمار، فقد ساهمت سياسة التقشف من خلال رفع الدعم عن المحروقات في إثقال كلفة الإنتاج في كل القطاعات. كما ساهمت السياسة النقدية من خلال الترفيع في نسبة الفائدة في الترفيع في كلفة التمويل من جهة، ومن جهة ثانية من خلال انزلاق الدينار في تحمل قطاع الإنتاج نفقات إضافية بعنوان توريد المواد الأولية ونصف المصنعة والمعدات، لتساهم هذه السياسات هي أيضا في ضرب الاستثمار كمحرك ثان للنمو.
قطاع التصدير لم ينج هو الآخر من سياسة التدمير والاستهداف ليشهد نفس المصير. ففضلا عن أن هيكلة الصادرات لم تتغير منذ الاستقلال إلى اليوم فان تدمير منظومة الإنتاج، من خلال التوريد المكثف، وضرب الاستثمار من خلال سياسة مالية عمومية تقشفية وسياسة نقدية تقوم على الترفيع المتواصل لنسبة الفائدة، حال دون تطور هذا القطاع. والادعاء بان سياسة صرف مرنة ستساهم في دفع التصدير هو مردود على أصحابه في ظل ضرب منظومة الإنتاج وتدهور القدرة التنافسية للمنتوج التونسي بسبب ارتفاع كلفة الاستثمار والاعتماد على توريد مدخلات الإنتاج فضلا عن ارتفاع أسعار المحروقات وتداعيات ذلك على كلفة الإنتاج.
شهادات الرضاء التي وزعها صندوق النقد الدولي على الحكومة والبنك المركزي يسدد فاتورتها يوميا المواطن التونسي، والصناعة التونسية، والفلاحة التونسية، وجميع الأنشطة الخدماتية التونسية واستثمرتها حكومة الشاهد وأحزاب الائتلاف بما في ذلك حزب الشاهد الجديد لتثبيت مواقعها في السلطة وضمان ديمومتها بعد انتخابات 2019 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق