هجمات الميلشيات العراقية ورسائل "التمرد" على الولي الإيراني

 عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله في بغداد 

بين حين وآخر ترسل إيران رسائل "مبطنة" تحاول من خلالها التنصل من مسؤوليتها عن الهجمات التي تنفذها ميليشيات موالية لها ضد مصالح أميركية في العراق، بحسب مراقبين رأوا، أيضا، أن ذلك كله مرتبط بملف المفاوضات النووية بين طهران والدول العظمى.

وتصاعدت وتيرة الهجمات ضد مواقع عراقية تضم جنودا للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وضد سفارة واشنطن في بغداد خلال هذا الأسبوع، وكان أعنفها الهجوم الذي جرى الأربعاء عندما استهدف 14 صاروخا قاعدة عين الأسد الجوية العراقية في الأنبار، غربي العراق وتسبب في جرح جنديين أميركيين.

وفي تقرير نشرته الجمعة، قالت وكالة "أسوشيتد برس" إن قادة ميليشيات بارزة موالية لطهران في العراق رفضوا الانصياع لتوجيهات قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني عندما اجتمع معهم في بغداد الشهر الماضي وطالبهم بالتهدئة لحين انتهاء المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة.

وأشارت الوكالة إلى أن تفاصيل زيارة قاآني، التي أكدها ثلاثة مسؤولين سياسيين شيعة واثنين من كبار مسؤولي الميليشيات، تبين كيف أن الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران باتت تمتلك نوعا من الاستقلال عن طهران، وفي بعض الأحيان تنتهك الأوامر.

لكن "البنية العقائدية" للميليشيات العراقية الفاعلة على الساحة العراقية، والمتهمة باستهداف المصالح الأميركية، تشير إلى عكس ذلك، وفقا لخبراء ومحللين مهتمين بالشأن العراقي.

يقول الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج حسين عبد الحسين لموقع "الحرة" إن "الجميع يعلم أن هذه الميليشيات تتبع عقائديا للولي الفقيه في إيران وبالتالي فطاعته واجبة شرعا في كل شيء بالنسبة لها".

ويضيف عبد الحسين أن الحديث عن "عصيان الميليشيات أو تمرد قادتها" على أوامر طهران يدخل في باب "الدعاية الإيرانية التي تحاول طهران من خلالها النأي بنفسها عن المسؤولية عن هجمات وكلائها في العراق".

في السابق عمدت طهران ووكلاؤها في العراق لأسلوب مماثل عندما بدأت مجموعات مغمورة كـ"أصحاب الكهف" وغيرها تتبنى الهجمات ضد المصالح في العراق خوفا من الرد الانتقامي الأميركي الذي قد يطال الميليشيات المعروفة، وفقا لعبد الحسين.

وكانت واشنطن توعدت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، برد مدمر في حال قُتل أي أميركي في هجوم صاروخي في العراق.

وظهرت المجموعات المغمورة تلك إبان فترة ترامب، ويعتقد مسؤولون عراقيون وغربيون أنها ليست سوى "واجهة" لميليشيات أخرى بارزة معروفة بارتباطها الوثيق بطهران.

يقول عبد الحسين إن: "الإيرانيين ينتهجون اليوم ذات الأسلوب لأنهم خائفون من تحميلهم المسؤولية، وبالتالي زيادة التصعيد مع الولايات وربما فشل المفاوضات النووية".

ويتفق الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي مع فكرة أن الميليشيات البارزة في العراق لا يمكنها مطلقا مخالفة أوامر "الولي الفقيه" وفي حال فكرت إحدى الميليشيات بذلك فسيتم "سحقها في لحظات" من قبل أيران واتباعها.

ويضيف الكبيسي في حديث لموقع "الحرة" أن الإيرانيين يحاولون من خلال هذه الرسائل إبلاغ الجانب الأميركي أننا نحاول اقناع الميليشيات العراقية بإيقاف الهجمات"، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا يتعدى سوى كونه "ورقة تفاوضية ورسائل مبطنة تستخدمها طهران للتوصل لاتفاق مع الغرب".

ولم تحرز المحادثات في فيينا لإحياء الاتفاق النووي سوى تقدم طفيف في الأسابيع الأخيرة، بل أنها توقفت هذا الأسبوع وفقا لدبلوماسي أوروبي تحدث لوكالة فرانس برس.

وتهدف هذه المفاوضات إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق المبرم العام 2015، بعد انسحابها منه في عام 2018 وإعادة فرضها عقوبات على طهران. وردا على ذلك تخلت إيران عن معظم التزاماتها.

يربط الكبيسي بين توقف المفاوضات وتصاعد الهجمات في العراق، ويشير إلى أن الإيرانيين وكأنهم يقولون للولايات المتحدة "إذا عدتم للمفاوضات فإن هذه الهجمات ستتوقف فورا".

ويضيف أن تحليلا بسيطا لمدى تأثير الهجمات التي تنفذها الميليشيات في العراق يبين أنه رغم كثرتها لم تقتل أميركيا واحدا، وهذا "دليل على أنها ليست سوى رسائل سياسية ترسلها طهران عبر السلاح".

واستهدفت ثلاثة صواريخ السفارة الأميركية في العراق في ساعة مبكرة من صباح الخميس، بعد يوم شهد واحدة من أكبر العمليات التي نفذت في الأشهر الأخيرة ضد المصالح الأميركية في البلاد ومحاولة هجوم بطائرة مسيرة في سوريا المجاورة. واستهدف 14 صاروخا قاعدة عين الأسد الجوية العراقية في الأنبار، غربي العراق، حيث ينتشر جنود أميركيون.

وكانت عين الأسد قد استهدفت، الاثنين، أيضا بثلاثة صواريخ، وبعد ساعات قليلة، تعرضت السفارة الأميركية للتهديد بطائرة مسيرة أسقطتها منظومة اعتراض الصواريخ والقذائف.

ومساء الثلاثاء استهدف هجوم بطائرات مسيرة مطار أربيل في إقليم كردستان العراق الذي يضم أيضا قاعدة للتحالف الدولي.

في الإجمال، استهدف 49 هجوما المصالح الأميركية منذ بداية العام في العراق حيث ينتشر 2500 جندي أميركي في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.

ويبدو أن هذه العمليات التي نادرا ما يتبناها فصيل بعينه وإنما يشيد بها موالون لإيران في العراق، جرى تنسيقها ونفذت بعد ثمانية أيام من الضربات الأميركية في سوريا والعراق ضد مواقع الحشد الشعبي، وهو تحالف يضم فصائل عراقية موالية لإيران.

وجاءت الضربات الأميركية ردا على هجمات استهدفت مصالحها في العراق في الأشهر الأخيرة ونسبتها واشنطن إلى فصائل موالية لطهران.

يرى حسين عبد الحسين أن إدارة بايدن لم تنفذ حتى الآن ضربات "موجعة" ضد حلفاء طهران في العراق لسببين رئيسيين، الأول "أنها لا تريد إحراج الحكومة العراقية، والثاني يتمثل بعدم رغبتها في التشويش على مفاوضات الاتفاق النووي".

ولكن وبعد توقف المفوضات واحتمال انهيارها في أية لحظة، يبدو بشكل واضح أن إيران تتخوف من رد أميركي انتقامي عنيف، وفقا لعبد الحسين، لذلك هي تحاول اتخاذ خطوة استباقية عبر ترويج فكرة أنها فقدت السيطرة على الميليشيات الموالية لها في العراق.

ولا يستبعد يحيى الكبيسي أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدا جديدا في العراق من وكلاء طهران في حال وصلت المفاوضات النووية لطريق مسدود.

وأشار تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" السبت إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن يتعرض لضغوط للرد على تصاعد الهجمات التي تشنها ميليشيات موالية لإيران ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا.

وقالت الصحيفة الأميركية إن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين اعتبروا ردود فعل بايدن تجاه تلك الهجمات غير كافية وليست فعالة.

وفي هذا الإطار يقول مدير منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد بولوك لموقع "الحرة" إنه لا يتوقع حصول "تصعيد كبير" في العراق لأن هجمات الميليشيات لم تتسبب بحصول أضرار أو إصابات كبيرة.

ومع ذلك يرجح بولوك، الذي عمل سابقا مستشارا لدى وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، أن تنفذ الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضد وكلاء إيران في المستقبل.

ويقترح بولوك مجموعة من الخطوات من شأنها تفادي التصعيد في العراق والمنطقة وذلك "عبر قيام الحكومة العراقية بإجراءات أقوى ضد الميليشيات المسؤولة عن الهجمات" التي تنفذ في العراق.

يرى الخبير الأميركي أن اعتقال منفذي الهجمات يعد أمرا مهما، ولكن الأهم من ذلك هو اتخاذ خطوات استباقية ضد الميليشيات المعروفة بالوقوف خلف هذه الهجمات".

وكانت السلطات العراقية اعتقلت في يونيو من العام الماضي 13 عنصرا ينتمون لكتائب حزب الله الموالية لطهران والمدرجة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة، بتهمة شن هجمات ضد السفارة الأميركية في بغداد.

وبعد ساعات من عملية الاعتقال طوق عناصر ميليشيات موالية لطهران يستقلون شاحنات صغيرة مقارا حكومية داخل المنطقة الخضراء بينها مقر إقامة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ليتم بعدها إطلاق سراح المعتقلين.

الحرة / خاص - واشنطن