البلد تحول من عاصمة للنور إلى أزمات انقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والدواء ونفاد الوقود
في أحد أيام يونيو من العام الجاري، حيث الحرارة المرتفعة وحين انتصفت الشمس في عنان السماء عند الظهيرة، كان زياد سامي، وهو شاب لبناني في أواخر الثلاثينات من عمره، يهرول على عجل بحثا عن دواء لطفله الرضيع الذي حل ضيفا على الدنيا قبل بضعة أشهر من الآن.
وبالنسبة لسامي، الذي يعمل في أحد البنوك بالعاصمة بيروت، فإن الأزمة الرئيسية لا تكمن في المال بل في تواجد الدواء الذي يبحث عنه لطفله في وقت يعاني فيه لبنان من إحدى أسوأ أزماته الاقتصادية منذ القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي.
"أمضيت أكثر من 4 ساعات بحثا عن الدواء دون جدوى... بمجرد السؤال عن اسم الدواء سيخبرك الصيدلي بجملة معروفة لدى الجميع... هذا المنتج ناقص من السوق"... يقول سامي لـ"العربية.نت" خلال مقابلة عبر الإنترنت.
وفي بلد يستورد جل احتياجاته من الدواء والغذاء من الخارج، تسبب نقص الدولار في أزمة طاحنة مع ندرة في 100 صنف من الأدوية الحيوية التي يعتمد عليها المواطن اللبناني في وقت حذر فيه مستوردو الدواء من أزمة وشيكة مع مستحقات متراكمة لدى مصرف لبنان بلغت نحو 600 مليون دولار.
ويضيف سامي، الذي لا يرى نورا يلوح في نهاية نفق لبنان المظلم، "الوضع سيئ وسيظل كما هو. الدواء الذي كان الطفل بحاجة إليه دواء أساسي يفترض أن تكون الأولوية لدى القائمين على الأمور لتوفيره".
والأسبوع الماضي، أعلن مصرف لبنان عن توفير نحو 400 مليون دولار لتمويل استيراد الطحين والأدوية الحيوية دون أن يشير إلى حجم الاعتمادات المخصصة لكل منها.
خيار مر
ولا تفرق الأزمة الطاحنة التي يمر بها لبنان بين مدني وعسكري أيضا، إذ لا تمضي الأمور على نحو جيد أيضا بالنسبة إلى جاد علي، وهو اسم مستعار بناء على طلبه، والذي يعمل في الجيش اللبناني منذ سبع سنوات.
ويقول جاد، والذي رزق بطفل أيضا قبل نحو 4 شهور من الآن، لـ"العربية.نت"، إن راتبه أصبح لا يكفي أيا من متطلبات الحياة الأساسية بعد قدوم طفله الجديد.
ولم يجد العسكري الشاب الحليب المخصص لطفله، والذي يحمل اسم نقولا، فاضطر في نهاية المطاف إلى إطعامه من حليب الأبقار الذي لا تقوى معدة الصغير على هضمه في تلك الفئة العمرية
.
من لبنان (فرانس برس)
ويستورد لبنان أيضا نحو 85% من احتياجاته الغذائية من الخارج، وتسببت ندرة الدولار في شح المعروض من حليب الأطفال.
ولا تتوقف معاناة جاد عند هذا الحد، إذ بات الرجل في حيرة من أمره ما بين توفير الدواء لأمه المريضة أم طفله الصغير.
ويضيف جاد الذي تعاني أمه من مرض الضغط "لا أعلم ماذا أفعل على وجه التحديد حينما يطلب مني التصدي للمظاهرات.. هل انضم إليها وأترك عملي... الخيارات تضاءلت أمامي. لست وحدي الكثير منا بات يعاني من الفقر".
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 55% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، أي على أقل من 4 دولارات في اليوم، تبلغ منهم نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع نحو 23%.
غارق في الظلام
وفي بلد كان يوما ما ينظر إليه كعاصمة للنور في الشرق الأوسط، فإن الظلام الدامس بات أمرا مألوفا في ربوع لبنان الذي يعاني من نقص حاد في إنتاج الكهرباء.
ولكن الأمر لا يتعلق بالنور فقط بالنسبة إلى مايا نخلة، وهي شابة أربعينية تعاني والدتها من ربو حاد يتطلب وضعها على أجهزة التنفس بين الحين والآخر في المنزل.
وتقول نخلة لـ"العربية.نت" إن الانقطاع المتكرر للكهرباء دفعها لشراء مولد كهربائي باهظ الثمن حتى تضمن توفر الأكسجين لوالدتها وقتما احتاجت إليه.
والجمعة الماضية، أعلنت شركة الكهرباء اللبنانية عن توقف العمل في محطتي دير عمار والزهراني اللتين توفران معا حوالي 40% من الكهرباء في البلاد، وطالبت المواطنين بترشيد استهلاك الكهرباء في وقت أصبح عدد الساعات التي تتمتع فيها المنازل في لبنان بالكهرباء لا يتخطى سويعات قليلة بصورة يومية.
وتوقف محطات الكهرباء عن العمل مع رفض موردي الغاز والوقود تسليم شحنات جديدة حتى يتم دفع مستحقاتهم لدى الشركة.
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، يعاني لبنان من أزمات متلاحقة في قطاع الكهرباء وخسائر منذ ذلك الحين بنحو 40 مليار دولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي
إحدى السفن التركية التي تزود لبنان بالكهرباء
صرخة استغاثة
وفي وقت انكمش فيه الاقتصاد بنحو 25% العام الماضي بفعل تبعات الجائحة، يبدو أن الأسوأ لم يأت بعد للبلد الذي تلقى وعودا بتلقي مليارات الدولارات كحزمة إنقاذ عاجلة.
ويقول محلل الاقتصاد الكلي لدى كابيتال ايكونوميكس، جيسون توفي، في مذكرة بحثية اطلعت عليها العربية.نت "لبنان بحاجة إلى المساعدة الآن وليس بعد قليل.. الأمور تمضي على نحو سيئ وسنشهد المزيد من العثرات في المستقبل القريب إذا لم يتم تقديم حزمة إنقاذ دولية على نحو عاجل. الاحتياجات التمويلية كبيرة للغاية".
ويقدر صندوق النقد الدولي احتياجات لبنان التمويلية بما يربو على 30 مليار دولار في وقت يرفض فيه المانحون الأجانب تقديم مساعدات لبلد لا ينفذ إصلاحات.
ويضيف توفي "قد نرى المزيد من التعثر عن سداد الديون بالمستقبل".
وشهد العام الماضي، أول تخلف للبنان عن سداد ديونه في عقود مع عدم قدرة مصرف لبنان على دفع مستحقات حملة سندات دولية بسبب وصول الاحتياطي الأجنبي إلى مستويات خطرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق