قصص - أسماء الشخصيات مرايا لذواتهم في 'سيلفي مع المتنبي'

. . ليست هناك تعليقات:


الكاتب ضاري الغضبان يمنح شخصيات قصصه أسماء تتوافق مع ما يراه من صفات فيها، او بما يناقضها فالدال 'الاسم' يكون مناقضا للمدلول 'الشخصية'"، واذا كان القاص لا يملك المساحة الكافية ليسرد صفات كل شخصية ودلالاتها فأنه يرمز الى ذلك بالتسمية.



حكايات تنطلق بلمسة ذكية من الخاص نحو العام عبر قراءة واقعية للحياة الاجتماعية

الكاتب : نزار عبدالغفار السامرائي

ما يميز السرد عند ضاري الغضبان، التقاطه لزوايا الحياة البعيدة عن أنظار المجتمع، بشكل ساخر، فيسلط الضوء على شخصيات مهمشة تسير دون أن يراها الآخرون رغم إنها مفعمة بالأحاسيس والمشاعر، وتحمل الكثير من الحكايات التي يمكن أن تتحول الى قصص بلمسة ذكية، تنطلق من الخاص نحو العام عبر قراءة واقعية للحياة الاجتماعية.

ولا تختلف مجموعته القصصية الأخيرة "سيلفي مع المتنبي" الصادرة عن دار الورشة الثقافية عام 2021، عن ذلك المسار، وهي تتناول شخصيات تجاوزت الخمسين من العمر، لكنهم يعيشون الحياة كما يريدون لها أن تكون، بعدما تآلفوا معها وربما أصبحت لا تعني شيئا لهم غير أن يعيشوها كما هي مستذكرين ما مرّ بهم من احداث بسخرية مرة، ونقد واضح بين ثنايا السطور لعادات وتقاليد وتصرفات يتم التعامل معها على انها جزء من طبيعة المجتمع.

لا أريد أن أذهب مع الكاتب الذي طلب في إهدائه البحث عن الحقائق فيما بين السطور، وسأقرأ قصص المجموعة من زاوية الأسماء التي اطلقها على شخوص القصص وهي لا تخلوا من إشارات ودلالات ومفارقات كما هي قصصه. فهي ليست مجرد أسماء يطلقها الكاتب على شخوص قصصه وإنما تشكل إضاءة سيميائية تدل على الشخصية التي يتناولها الكاتب ضمن مسار السرد.

وما يشير الى أن القاص ضاري الغضبان اطلق الأسماء بدلالات معينة يقصدها هو الإشارات الموجودة في ثنايا القصص للتعريف بالمعاني التي تحملها. وهو بذلك يؤطر الدلالة بالمعنى المعجمي تاركا للمتلقي التأويل الدلالي الذي يمكن ان يستنتجه من مسار السرد.

وبالعودة الى مجموعة القاص ضاري الغضبان فان الكاتب يعرفنا في قصة "كلبي دليلي" على "عوسج" الرجل ذي الزيجات الثلاث الفاشلة الذي يعيش مع دراجته وكلبه حتى اصبح الثلاثة " ماركة مسجلة". والعوسج في اللغة شجر ينبت عادة في الأراضي الجافة والحارة، وما يميز العوسج انه يقاوم الجفاف. ومن هذه الشجرة اكتسبت الشخصية اسمها كون وجهه المكعب" يشبه شجيرة العوسج البري حين الجفاف"، ولكن ليس الوجه وحده يشبه العوسج فحياته العاطفية أيضا تشعر بالجفاف حتى انه ترك زوجاته الثلاث واطفاله ليسكن وحده خارج المدينة مع كلبه تجاوره الأفاعي، والشخصية هنا تعي غرابة اسمها الذي كان موضع تنادر بين الصغار والكبار. وفي القصة نفسها نجد "شفيعة" الفتاة التي كانت سببا في طرده من المدرسة الابتدائية وبالتالي يفارق التعليم بشكل كامل، وما يشفع له ذلك الذي حدث بعد صفعه للمعلم الذي حاول التحرش بطالبته. ويبدو أن شفيعة التي غيرت مجرى حياته، كانت تشفع له بالعودة الى الحب من جديد عندما عادت اليه بعد 50 عاما لتنهض رغباته الكامنة من جديد.

ولم تقف التسمية على الشخصيات البشرية فالسارد الذي هو عوسج نفسه اطلق على كلبه اسم شاطر، وهو دلالة مباشرة على ما يتمتع به الكلب من ذكاء، فيما سمى دراجته مارد، وكأنه حين يعتليها يركب صهوة مارد من الجن كما في حكايات الف ليلة وليلة لينتقل به من مكان الى الى آخر.

اما قصة "العقول المستطرقة" فلا وجود لتسميات صريحة للشخصيات، ويكتفي السارد بالحديث بصيغة الـ"نحن" وهذا يجعل شخصية الفرد تتلاشى بالجماعة فليس هناك فروق شخصية بينهم عندما يتجمعون دون تخطيط منشغلين بالتقاط صور السيلفي مع نساء عابرات من خلفهم.. وما يجمعهم بشكل أساس انهم يمتلكون "عقولا صدئة تلهو بها وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي وتستقبل الإشاعات دون تمحيص" فالعقول التي يمتلكونها "هي عقول بليدة ونائمة، والجزء الأعظم منها مغيب عن الاستخدام". ومثل هذه الشخصيات لا تتميز الا بالفعل الجمعي الذي تمارسه لذلك لاتجد بينها شخصية تحمل ملامح مميزة فتغدو دون اسم كونها يمكن ان تكون أي شخص آخر. بمعنى آخر ان السارد تشعر به يتحدث باسم القطيع الذي يبدي استعداده لبيع عقله لأي سمسار يعرض عليهم الشراء.

اما قصة "فيروز في مدينتي" فيعمد القاص الى استثمار ذلك التشابه بين أسماء الشخصيات في المجتمع، وحين يكون احد هذه الأسماء بموقع الشهرة والتداول فأن الذهن يذهب اليه بشكل مباشر مستبعدا الاخرين الذين يحملون الاسم ذاته. فالتذكر في العملية الاتصالية هو انتقائي ويذهب للأشياء التي تتلاءم مع شخصية المتلقين وتوجهاتها، والصورة الذهنية التي تكونت عندهم تجاه الاشياء، لذلك فأن سكان المدينة الصغيرة حين يسمعون بزيارة مرتقبة بأن فيروز ستحل في مدينتهم فأن الأذهان انصرفت من فورها الى "الفنانة القادمة من مروج لبنان" فهي الأكثر شهرة بين الشخصيات الحقيقية التي تحمل هذا الاسم وتم تهيئة المدينة والفعاليات بشكل يليق "بوصول الفنانة نجمة النجوم"، ولكن ما يفاجئ الجمهور بالنهاية تلك الكلمة التي اطلقها المبلغ بفعل الوصول حين ذكر ان فيروز "سيصل" ليس" ستصل" وهنا تكمن المفارقة في السرد حين يكتشف الجميع ان فيروز القادم للمدينة هو رجل "شخص سمين عابس"، فكم هي صادمة وساخرة تلك المفارقة حين يقارن المتلقي بين السيدة فيروز التي يمكن لزيارتها ان تحيي المدينة، وبين فيروز الذي هو "رجل اعمال يعاني من هرش وحكة" وجاء " يبحث عن الوحل في السّراب"، وسراب هو تسمية أخرى يطلقها الكاتب على صاحب مزار تنسب له كرامات حيث يقع قربه وحلا اسودا يمكن ان يشفي من يتمرغ به!.. ولاشك ان اختيار سراب هنا له دلالة كبيرة تشير الى تلك المعتقدات الشعبية بالكرامات المنسوبة لمزارات الاولياء والصالحين.

في قصة "حب ينفض الرماد" يمنح الكاتب اسم "بارح" لطبيب مشهور يصل مدينة صغيرة فيستقبله أهلها بالاعجاب والتقدير. والبارح هنا كأنه دلالة على أن هذا الطبيب لا يترجى منه شيء، استنادا الى المثل الشعبي "تترجى من بارح مطر"، ولكن القصة تشير الى شيء مخالف حيث ان الدكتور بارح قدم المساعدة لاهالي المدينة بمعالجتهم واجراء العمليات والسفرات لمن يستجيب لتعليماته من المدمنين وغيرهم، لكنه كان بارحا للآنسات اللاتي كن يخطبن وده فيأتيهن الجواب "عذرا بارح لا يبحث عن زوجة!".

الاسم الاخر هو "نماء" الصيدلانية الأشهر في البلاد وهنا يجمع الكاتب بين نقيضين "بارح" و"نماء" حيث ان النماء يحتاج الى المطر والماء فيما البارح لا يجيد بهما، وهو ما يصرح به الطبيب حين رد على احد سائلين بأن" بارح كإسمه المشتق من رياح تهبُ وسط الصحارى أيام القيظ، يصلح للقنص وحياة البر وقد لا يعجب هذا نماء، تلك النبتة النامية في فيافي الظل". ولكن اجتماعهما معا يحقق النماء والازدهار للمدينة الصغيرة "فقد كثر المراجعون من المدن القريبة والقصبات المحيطة، فظهرت مهن جديدة مربحة مثل الفنادق والمطاعم، بل نشطت صناعات شعبية من مواد طبيعية اصبح يقتنيها القادمون".

في قصة "المرحوم سين" لا نجد تسميات كما في قصة "العقول المستطرقة" ويكتفي السارد بالإشارة الى الشخصيات بصفاتها، او الاعمال التي يمارسونها، ابتداء من الشابين الشخصيتين الرئيسيتين في القصة مرورا بالنجار والبقال وضابط الشرطة والمومسات والرجل الملتحي والقائمون على الدفن..الخ، اوصاف أراد منها الكاتب ان يشير الى شخصيات في المجتمع بسماتها لذلك فهي يمكن ان تكون أي شخص، تحمل أي اسم، فالاساس هو ذلك التابوت الفارغ الذي يحمل المتوفى"س" أيً كان، فالموت بدلالته العامة هو من يكمن داخل الصندوق الفارغ وهو من يقف عنده الجميع ولكن يختلفون في تصرفاتهم ازاءه غير انه لا يمكن تجاوزه لذلك فأن مرور السيارة التي تحمل التابوت بأي جماعة كفيل بتغيير أوضاعهم التي كانوا عليها، ولكن سماتهم تبقى كما هي سواء اكانت كذب ام سخاء ام بخل.

ويتكرر اختفاء الأسماء في قصتي "عازف العمر"، و"سيلفي مع المتنبي" فالشخصية الرئيسة في الأولى عازف عجوز يشير له السارد بصفته دون اسم وكذلك الشاب الذي يؤجره لاجل ان يعزف لأمه المريضة. وفي القصة الثانية نطالع حكاية الرجل الكهل الذي لااسم له ويكتفي السارد بصفته فقط أيضا، وكأن المراد هنا الكهولة نفسها فالرجل يمكن ان يكون أي شخص وصل الى هذه المرحلة من الحياة وبدأ يشعر بالوحدة مع انشغال الجميع بحياتهم ولهوهم وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي على هواتفهم الذكية على العكس من هاتف الجد القديم. وكأن الكاتب هنا يشير الى الفجوة المعرفية التي انتجتها تقنيات الاتصال والمعلوماتية بين الجيل القديم "الكهل" والجيل الجديد" الشاب، والأولاد، الاحفاد". اما اسم المتنبي في عنوان القصة وثناياها فجاءت بدلالة مباشرة على شارع الثقافة والكتب، حيث يقف تمثال الشاعر الشهير مطلا على نهر دجلة.

في قصة "حذاء ساندرا بولوك" يقف اسم العلم في العنوان بدلالة مباشرة على الممثلة الاميركية المشهورة، ولكن الأسماء التي يطلقها الكاتب على شخوصه الرئيسة تتوزع بين الكاتب المشهور "نادر فياض" وهنا يجمع نقيضين الندرة في اسم نادر و الفيض في اسم فياض، وكأنه يشير الينا الى التناقض الذي يميز حياة الكاتب المشهور ذو السمعة السيئة، الذي يرتبط بعلاقة مع تاجر أسلحة يدعى"خربان" وبقدر ما تبدو التسمية هنا ساخرة فأنها دلالة على الخراب الذي تخلف الأسلحة التي يبيعها للمتقاتلين والمال الذي يستخدمه ، والمفارقة ان يسمي خربان ابنته داليا ، وهو اسم ذي أصول في اللغة العربية "كما تشير موسوعة ويكيبيديا" ومصدره "كرم العنب"، أما في اللغة العبرية فيوجد و مصدره "قمة أو طرف" الفرع، ويشار به إلى طرف العنب وشجر الزيتون. داليا هذه وحدها من استطاعت ترويض الكاتب سيء السمعة لتتركه ملقى على قارعة الطريق تطارده الاتهامات بسرقة ما كتب سابقا.

في قصة "المُذنب خالي" يلجأ القاص الى التناص والتورية في العنوان الذي بعيدا عن علامات التنقيط يتماثل مع المذنب هالي، اما الشخصيات فرغم تعددها بقيت غير مسماة بما في ذلك السارد نفسه الذي يتحدث عن وفاة خاله بسخرية، سوى اثنين فقط أولهما الخال المتوفي "مسرور" "قارون زمانه، وبخيل عصره"، لذلك فأن تسميته مسرورا جاءت للسخرية رغم ان ما يملك من أموال واولاد يمكن ان يجعله مسرورا حقا ولكن "سامح الله من أسماه مسرورا، فهو اسما على غير مسمى، كونه متعوسا" كما تصرح زوجة السارد ويؤكده هو بالقول" وهذه عين الحقيقة، فالرجل لم يعرف السرور شيئا في حياته، وهذا التضاد بالاسم أثارني فعلا" ! اما الاسم الثاني الذي يورد في القصة فهو "نيسان" ابن المتوفي، ولم اجد تأويلا مناسبا لاختيار هذا الاسم الذي يدل على قدوم الربيع واخضرار الأرض وازدهارها، وهو بداية العام الجديد عند العراقيين القدماء. فهل يقصد الكاتب أن نيساناً الذي امر اخوته الاهتمام بقطعان الماشية ومراقبة الحصاد وترك امر دفن والده اليه، هو بداية أخرى لحياة ابيه الذي بخل على نفسه بمراجعة الطبيب! ربما هو جزء من استمرار السخرية بالقصة التي تنتهي بمطالبة الابن الكبير لابن عمته "السارد" بالدية بعدما تسبب بطيران التابوت بعد سقوط عمود الكهرباء عليه اثناء صلاة الميت ليسقط بعيدا.

في قصة "لباس جدتي" رغم تعدد الشخصيات في ثانيا السرد الا ان الكاتب يبقي اغلبها دون أسماء حتى "الجد" و"الجدة" الذين يترددان في مسار السرد باسم جدي وجدتي، والاقارب الذين ورد اسمهم، كأنما جاءت أسمائهم للسخرية فقط "لصيق"، و"لصيقة" و "بليد"، و"بليده" أسماء لا نتوقع وجودها في الحياة الحقيقية سوى صفات تطلق على الاخرين للطرافة والنكتة. وبهذا الشكل يستعملها السارد للإشارة الى سذاجة عائلته وسماجتهم، فهم ليسوا غير مجموعة تتوارث العاهات الجسدية نتيجة كونها" تمنع تزويج بناتها من عامة الناس للحفاظ على العرق النقي من الاختلاط" وبهذا فأن القاص ينتقد تلك التقاليد التي تتشبث بها بعض العوائل حتى الان. الاسم الذي يطلقه القاص على زوجة السارد التي كانت خليلته هو "نائية" وكأنه ينأى بها عن العائلة التي لم تنتم لها، فهي ليست من اقاربه وحظي زواجهما بمباركة الجد الذي سبق الحفيد بالزواج بامرأة من خارج العائلة. السارد تزوج "نائية" بعد انفصاله عن "لصيقة" وكأنه بهذا الاسم يشير الى ان زوجته الأولى كانت امرا لصق به من الصغر دون رغبته ولكن تبعا لتقاليد العائلة التي تجتمع في بيت الجد لتوزيع التركة بعد وفاة الجدة.

في قصة "تقاعد" يستعرض لنا القاص حكاية"جبار"الذي يغادر وظيفته بعد أربعين عاما مع العمل المتواصل، ورغم ان اسم"جبار" يمكن ان يدل على صيغة المبالغة من جبَرَ: قاهر، متسلِّط، متكبِّر، متعالٍ عن قبول الحقّ، لا يرى لأحد عليه حقًّا، كما يرد في قواميس اللغة فأنه أيضا ممكن ان يدّل على شيء هائل، عظيم، ضخم، عملاق "مجهود/ إنجاز/ مصنع جبَّار- إمكانات جبَّارة" ، عقلٌ جبَّار: فائقُ الذكاء. فأي من هذا يتمتع به المتقاعد "جبار" الانسان البسيط الذي يغادر دائرته للمرة الأخيرة سيرا على الاقدام باتجاه البيت.

ورغم تعدد الشخصيات التي تتردف علينا في القصة الا انها تبقى دون تسمية ويبقى جبار هو الشخص الوحيد المسمى بين الأشخاص الآخرين الذين يستعمل الكاتب الصفات للإشارة لهم "الكهل نصف مجنون، صبي الماء، الشحاذة/الدجالة الماكرة، الزوجة، الأبناء الثلاثة وازواجهم واطفالهم، ابنتيه وازواجهن واولادهن" كلهم دون أسماء وكأن يشير الى تلك الوحدة التي يشعر بها جبار بعد احالته الى التقاعد والتي لم تتخل عنه الا بالعاب الموبايل التي شاركته زوجته بها ليعودا معا كما كانا اول مرة.

في قصة "ناطور الخضار" يطالعنا القاص منذ المفتتح باسمين هما "لميع" الشخص الذي يبحث عن زوجة ثالثة و "عكشاء" ابنة خالته...الاسمان يدلان على تناقض واضح بين الشخصيتين اللتين يجمعهما الخالة "قديمة" والتي هي "مثل اسمها لم تنل من الحداثة والتطور شيئا".

ولميع صيغة مبالغة من لامع بمعنى ساطع وبارز، كما يأتي مصدرا للفعل لمع أي تلألأ وتوهج. والاسم يطلق على الذكور بمعنى الشديد الضياء واللمعان، إضافة الى المشرق الوجه البراق، او المعروف المشهور، كمنا يطلق على متوقد الذكاء. فهل كان بطل القصة كذلك؟! ما يشير اليه السارد ان لميع " لم يكمل تعليمه كي ينال وظيفة تغطيه وتغطي عيوبه المتعددة" اذن الاسم هنا يشكل مفترقة كما في الأسماء التي في القصص الأخرى ولا يتطابق المدلول مع الدال لذلك هو يفشل حتى مع ابنة خالته "عكشاء" التي يسعى للزواج منها طمعا بما تملك بعدما فشل مع زوجتيه السابقتين زينة وسحر.

وكما درج عليه فان الكاتب يلمح الى اختياره الأسماء للدلالة على ما فيها من معان فالزوجة الأولى "زينة" طابقت اسمها "بجمال أخاذ ورقة متناهية تحتاج لزوج يسمو مع الجمال"، اما "سحر" فهي "الساحرة بمنطقها النادر وهي تسمعه شعرا بينما ما انفك يهرش شعر رأسه بعدم فهم دائم". اذن هناك تضاد أيضا بين شخصية لميع وزوجتيه، رغم ان اسمه يمكن ان يدل على التوافق بينها، لكن شخصية الزوجتين تتطابقان مع اسميهما على العكس من لميع الذي " يركل كرات الثلج الوهمية وسط القيظ".

ولكن "عكشاء" التي يتندر عليها بأنها "الفتاة المخبولة التي لا تختلف عن خراف ابيها" تجعل من لميع مسخرة " ناطور خضرة" او فزاعة بشرية ليكتشف بعد كل العناء من تنفيذه الأوامر التي تصدر عن ابنة الخالة، انها على علاقة بكبير رعاة قطعان ابيها "المخصي".

في قصة "خاتمتها بصل" لا يفصح السارد عن اسمه اواسم زوجته الثرية لكنه يتحدث عن صديقه المقرب "عبد الغفار" والاسم متداول عند المسلمين باعتبار الغفار هو احد أسماء الله الحسنى وافضل الأسماء ما حمد وعبد. مع ملاحظة ان الاسم الآخر الذي يورد في مقدمة القصة هو "حمّيد" مصغر حميد على ما جرت العادة في جنوب العراق باستعمال صيغة التصغير للاسماء. وعبد الغفار يبدو انه اسم لشخصية متسامحة تغفر للآخرين ما يرتكبونه، ومستعد للتجاوز عن خطاياهم، لذلك لا نتفاجأ انه ينوي الزواج من احدى صديقات صديقه المقرب والتي يتعرف بها عبر رسائل عهد بها له ليبقيها بعيدا عن انظار زوجته.

اما هذه الصديقة فهي "وريد" " ذات الاسم الغريب". ويبدو ان الكاتب اختار هذا الاسم فقط لغرابته وهو هنا يتطابق مع غرابة الحكاية التي يسردها، ورغم انه يذكر جميع أسماء الحبيبات السبع، الا انه يتجاهل ذكر اسم الزوجة وهذا دلالة على طبيعة العلاقة بين الطرفين. اذ يبدو انه عالق في رباط الزوجية هذا الذي اجبره على قطع علاقته مع الصديقات السبع فبقي يستذكرهن بسره، مع احتفاظه بكيس رسائلهن عند صديقه المقرب.

ويواصل الكاتب اطلاق الأسماء الغريبة على شخصياته في قصة "ابن السوق" فيطالعنا باسم "محراث" الذي يكنى باسم امه "ربيعة" وهو من الأسماء المتداولة ويورد معناه في قاموس معاني الأسماء على أنّه اسم علم مؤنث، من أصلٍ عربي، ومعناه، الحجر المرفوع لمعرفة القوة، ومعناه أيضًا الروضة، أي بمعنى البستان وهو الأرض شديدة الخضرة، كما أن معناه القوية أو العتيدة، كما يدل في معناه على الحقَّة، وهي التي يوضع فيها طيب العروس، كما أنه يدل على بيضة سلاح الحديد. ومن الصفات التي تذكر عن اسم ربيعة بأن حاملته تتميز بشخصية حنونة وتحبّ الجميع وتتمنى الخير دائمًا للآخرين، وتختص عائلتها بالمحبة والحنان أكثر من أي محيط آخر. تتحلّى بشخصية متفاءلة، ولا تعترف بالحظ أبدًا، فدائمًا تترك كل أمرها لله وللقدر. تتميز بجمال شخصيتها وجمال روحها، مما يجعلها شخصية جذابة وملفتة للنظر. وهذا ما يميز شخصية ربيعة بائعة الفجل في القصة التي" كانت على علاقة متوازنة مع جميع باعة السوق". الا "بارق" الذي تجلس مقابيل محله، والبارق هو اللامع، والمشرق فيقال سيف بارق أي سيف لامع، وهو يأتي من كلمة برق أي اللمعان والضوء في السماء. من هنا فأن الاسم يبدو متوافقا مع شخصية "ذلك الرجل الاشهب مصلح المذياعات الغامض العصبي".

واذا كان التجاور المكاني والصراع الخفي هو ما يجمع بين ربيعة وبارق فهناك أيضا السر الذي يخفياه عن الجميع وهو الصبي "محراث" ابن ربيعة الذي "بلون الفحم" وما يعلمنا به السارد بان ذلك ليس اسمه الحقيقي بل "لقب لحقه من جاراتها" ، ويوضح الكاتب اسم محراث في ثنايا القصة بانه " الالة التي يسحبها الجرار الزراعي كي تحرث الأرض" ولكن ليس هذا المعنى هو المقصود باللقب الذي اطلق على ابن ربيعة وانما هو " كنية العصا التي تحرث قعر التنور الطيني كي تزيل الرماد، فتتلون بلون السخام وهو لون يطابق لون الصبي".

ودلالة محراث في البناء السردي للقصة لا يقف عند ذلك بل هو ما حرث في قاع العلاقة الغامضة بين ربيعة وبارق الذي حمل دلو ماء وليفة خشنة ليدعك وجه محراث ليختفي اللون الأسود ويظهر "بلون يطابق وجه بارق الاشهب وأنفه المدبب"!

في القصة الأخيرة "العزف المنفرد" يطالعنا الكاتب باسم واحد هو "عفاف" تلك الفتاة التي تنشأ على أن العفة" حاجز عن الجميع، سد منيع عن الآخر خصوصا الرجل". ولكن شاء لها ان تستمع الى صوت الموسيقى فتعشقها لكن الامر بنظر أهلها وابن عمها هو خرق لشروط العفاف التي على الفتاة ان تتمسك بها، لذلك يحكم عليها بالموت. لكنها تنجو ويموت القاتل "ابن العم" بعد ان تصدمه سيارة وهو يحاول الفرار بعد اطلاق النار على عفاف التي تستمر بالعزف.

مما سبق نجد ان الكاتب ضاري الغضبان كان يمنح شخصيات قصصه أسماء تتوافق مع ما يراه من صفات فيها، او بما يناقضها فالدال "الاسم" يكون مناقضا للمدلول "الشخصية"، واذا كان القاص لا يملك المساحة الكافية ليسرد صفات كل شخصية ودلالاتها فأنه يرمز الى ذلك بالتسمية. ويشير الى ذلك أحيانا ويتجاهله أحيانا أخرى تاركا للقاريء فرصة البحث عن دلالة وكنهة كل شخصية من الشخصيات حتى تلك التي تمر في ثنايا السرد بشكل عابر.ولاسيما ان السارد يتحدث بصيغة الغائب وهنا سيكون التركيز على اسم العلم بعلاماته الطبوغرافية المميزة كما يشير فيليب هامون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة