
تجمع رواية ”خلف ستائر فيينا“ الصادرة حديثا للكاتبة السورية لوريس الفرح، بين الفكر الشرقي ونمط العلاقات في المجتمع الغربي، من خلال الإضاءة على علاقات شائكة أبطالها عرب في مدينتي دمشق وفيينا.
وتبدأ الرواية بتضحية شابة سورية بقصة حبها؛ لعدم قدرتها على الإنجاب لأسباب صحية، ولعلمها بولع محبوبها بالأطفال، فتدخل أنثى أخرى على الخط الدرامي للعمل.
وبدلا من المجابهة الحتمية التي كان القارئ بانتظارها، تذهب الأحداث في اتجاه آخر أكثر تعقيدا ومن الصعب التكهن به.
وفي الرواية يكاد المتلقي يلامس ذروة الحدث، التي يظنها الأقوى، ليتفاجأ في كل مرة بتسربها من بين أصابعه، ويجد نفسه أمام ذروة جديدة أعنف وأقسى، تخالف توقعاته وصولا إلى نهاية مفتوحة تحفز خيال القارئ وتدفعه دفعا إلى التورط في الأحداث.

وفي حديث خاص لـ“إرم نيوز“ ، قالت الفرح: ”فضلت ككاتبة الوقوف عند نهاية مفتوحة، لأترك مساحة للقارئ للإجابة على سؤال النهاية غير المباشر، الذي يتلخص بمن؟ على الرغم من احتمال استفزاز القارئ، في بحثه الحثيث عن الإجابة على التساؤلات التي تطرحها الحبكة بما يرضي نهمه المعرفي، ولكنني قررت عند نهاية العمل ألا أترك الحكم لي بل أشرك المتلقي فيه“.
وعن الحافز وراء تأليفها الرواية، أضافت الفرح: ”نبعت فكرة الرواية من الواقع الحالي الذي نعيشه وكمية التعقيد التي ظهرت حديثا في علاقاتنا، خاصة علاقات الحب والارتباط والزواج والمفاهيم الجديدة التي ظهرت، وتخالف بشدة ما كان عليه الوضع قبل حقبة من الزمن“.
وأوضحت أن ”في الرواية ما تراه في الظاهر خيانة قد تغير رأيك به عندما تطلع على حقيقته، وما تراه حقا قد تراه باطلا في نهاية المطاف، وما تراه رد فعل طبيعي تراه كارثة فيما بعد. جميع القراءات محتملة في العمل، ولذلك جعلت النهاية مفتوحة لأبقي على انفتاح الاحتمالات ومنح القارئ فرصة اختيار النهاية بما انتهى هو إليه بعد رؤيته الشكل الجديد الذي قدمت به شخوص روايتي وأحداثها“.

رواية ”خلف ستائر فيينا“ وكما كتب الإعلامي والشاعر زاهي وهبي على غلافها: ”رواية تكشف ما خلف الستائر والمصائر، وتدعو قراءها إلى إزاحة تلك الستائر ومرافقة شخوصها في رحلة صراعهم مع أنفسهم أولا، ومع مصائرهم التي لا ترسم في معزل عن أهوائهم ونوازعهم“.
واتسم أسلوب الكاتبة باللغة القوية الفصيحة، فاردة للوصف مساحة في ثناياها؛ تقول في الرواية عن الصراع بين الرغبة والأمانة: ”سيستسلم فقط لحظة واحدة، وسينصهران نشوة، ويجرفان معهما كل شيء، كل شيء؛ المنطق واللامنطق والمحظور والمعقول والدنيا بأسرها. ما إن لامست أصابعه صدرها عندما أمسك القميص حتى سقطتْ دمعة من عينيه فوقها كأنها عود ثقاب أضرم النار فيها، فانتفضتْ بين يديه مزلزلة ثباته معيدة إياه إلى صحوته، فما كان منه إلا أنْ لملم ما لديه من عزم وزره أخيرا، وعدّل جلسته ووقف إلى جانب السرير يلتقط أنفاسه كمن كان يغوص تحت الماء ووصل حد الاختناق رغم كل قوة يدعيها“.
وتعتمد الرواية على الشكل الكلاسيكي للكتابة والترتيب الزمني كبداية وعرض وخاتمة بشكلها البسيط البعيد عن الالتفاف واللعب بالزمن وتنويع أسلوب الراوي، فاستخدمت الكاتبة أسلوب الراوي العليم، مع حضور شذرات من المونولوج الداخلي، لضرورة توضيح صراع الإنسان بين رغباته والأطر المفروضة عليه.
وجمعت الرواية بين متانة السبك وقوة الحدث في إطار من التشويق، محاولة مناقشة الثوابت من أكثر من زاوية وطرح مفاهيم جديدة لموضوع التضحية والإرادة والرضوخ للقدر والحب والعجز وصراعات الإنسان فيما بينه وبين نفسه وما بينه وبين الآخر والحياة.
وتنوعت طبيعة الشخصيات في الرواية ما بين الضعيف عاطفيا والقوي الحكيم، ما بين الحيرة والغيرة، لنشهد تحولات في شخصيات الأبطال منذ بدء العمل حتى نهايته.
وتحتوي الرواية على 5 أبطال تجمع بينهم علاقات مختلفة مثيرة للجدل، في أشكالها وتحولاتها، لتظهر بين الحين والآخر شخصية ثانوية تخدم الحبكة الرئيسة.
واستوحت الكاتبة عنوان روايتها من مدينة فيينا التي تدور فيها غالبية الأحداث، وما يحدث خلف ستائرها من قصص لأبطال عرب عاشوا ازدواجية المكان، بانتقالهم من شرق محافظ إلى غرب منفتح.
والرواية من إصدارات دار كنانة للطباعة والنشر والتوزيع، العاصمة السورية دمشق، ط1، 2021، وتقع في 250 صفحة من القطع المتوسط.
عن الكاتبة
لوريس الفرح، أديبة سورية مقيمة في النمسا. تنوع نتاجها الأدبي بين القصيدة النثرية والقصة القصيرة والرواية، وتنشر في دوريات عدة.

وللكاتبة مجموعة قصص قصيرة مترجمة إلى الألمانية؛ منها ”شال أبيض“ و“ملائكة“ وهي منشورة في كتاب واحد يضم أعمالا لكتاب وشعراء من جميع أنحاء العالم. فازت بقصتها ”أردتني حيا“ في المرتبة الثانية في مسابقة سوريا الدولية للقصة القصيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق