ميلفين ب. كروس| الخميس 20 مايو 2021
ذا كان حلفاء أمريكا يشعرون بالقلق إزاء ما صرح به الرئيس جو بايدن، في خطاب ألقاه أمام الكونجرس في 28 نيسان (أبريل)، بشأن السياسة الخارجية، فلهم كل الحق في أن يكونوا كذلك. إذ رغم أن أجندة بايدن الاقتصادية المحلية تشبه إلى أقصى حد تلك التي اعتمدها ترمب، وتتمثل في فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وتوسيع كبير لنطاق شبكة الأمان الاجتماعي، لم تكن السياسة الخارجية التي أوضحها مختلفة تماما عن عقيدة أمريكا أولا القديمة التي اتبعها سلفه.
وقال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، أخيرا، هناك استمرارية في السياسة الخارجية بين بايدن وترمب أكثر مما تراه العين من الوهلة الأولى، لا تزال سياسة ترمب تلوح في الأفق. لذلك، كان خطاب بايدن غريبا، إذ جمع بين الصفقة الجديدة لفرانكلين دي روزفلت وتلميحات قوية عن القومية الترمبية.
عندما تحول بايدن إلى السياسة الخارجية، كان تركيزه على الصين والولايات المتحدة، كما لو أن أوروبا لم تكن موجودة، وأن الولايات المتحدة بوسعها أن تفوز بهذه المنافسة دون المشاركة النشطة للأوروبيين. وبالنسبة للآذان الأوروبية يبدو هذا بالطبع قريبا جدا من سياسة ترمب الازدرائية. إذ لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تكسب الحرب الباردة دون حلفائها الأوروبيين، ولن تتفوق على الصين دون التعاون الأوروبي. ونقلت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، بأسلوبها اللطيف جدا، تلك الرسالة إلى بلدها قبل تولي بايدن منصبه مباشرة من خلال دفع الاتحاد الأوروبي إلى التعجيل باتفاقية الاستثمار الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين.
ويتبع بايدن شكلا من أشكال سياسة أمريكا أولا حتى في الاستجابة لوباء فيروس كورونا. إن رفضه إرسال لقاحات كوفيد - 19 إلى دول أوروبية مهمة في أمس الحاجة إليها، وتواجه انتخابات مهمة، جعل ادعاءه بأن "أمريكا عادت" مثيرا لكثير من الشكوك في عديد من العواصم الأوروبية.
فعلى سبيل المثال، حتى الآن لم ترسل إدارة بايدن أي لقاحات إلى فرنسا رغم أن الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يعد أحد أكبر حلفاء الولايات المتحدة يواجه سباقا شديدا ضد منافسه الرئيس، مارين لوبان من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، في الانتخابات الرئاسية للعام المقبل. ومن الواضح أن بايدن يدرك أن فوز لوبان سيكون كارثة على الاتحاد الأوروبي والتحالف عبر الأطلسي، وانتصارا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويبدو واضحا أن إدارة بايدن تريد احتواء نزعة بوتين الانتقامية في العالم الشيوعي السابق وعرقلة جهود الكرملين لإضعاف الاتحاد الأوروبي، وتقسيمه وتدميره في نهاية المطاف. لكن رفضها مساعدة ماكرون بشحن بعض إمدادات اللقاحات الزائدة في أمريكا التي يرسل عدد منها الآن - عن حق - إلى الهند التي تضررت بشدة هو هدية لبوتين الذي شجع البنوك الروسية منذ فترة طويلة على تقديم الدعم المالي لمارين لوبان ولحزبها.
ويواجه بايدن أيضا مشكلة خطيرة عندما يتعلق الأمر بألمانيا وبوتين. فمشروع خط أنابيب (نورد ستريم 2) لاستيراد الغاز الروسي عبر بحر البلطيق، للتحايل على بولندا وأوكرانيا، هو انتصار استراتيجي محتمل لبوتين، ويهدد بإثارة الشك بشأن ألمانيا بين الدول الشرقية المجاورة لها. إن لامبالاة ميركل العنيدة بالعواقب الجيوسياسية للمشروع محيرة للعقل. وتعثر بايدن حتى الآن في البحث عن طرق للتخفيف من الضرر الذي من المحتمل أن يلحقه بالآخرين، يعني سوء التصرف في السياسة الخارجية.
وعلى ما يبدو، بايدن متأثر بالتفكير الحمائي لذا فهو غير قادر على تصور نوع الصفقة التجارية التي من شأنها أن تشجع الألمان على التراجع عن (نورد ستريم 2). وبصيص الأمل الوحيد هو أن المشروع يفهم الآن على أنه يشكل تهديدات بيئية خطيرة، وهو السبب في كون حزب الخضر الألماني، الذي يحتمل أن يكون صاحب النفوذ السياسي الأعظم بعد انتخابات البوندستاج هذا الخريف، يعارضه بشدة. وقال أحد المراقبين أخيرا: "إن حزب الخضر أكثر توافقا مع الولايات المتحدة والدول الشرقية المجاورة لألمانيا، مثل دول البلطيق وبولندا، بشأن القضية المثيرة للجدل المتعلقة بخط الأنابيب، مقارنة بعلاقته مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي لميركل.
وهناك علامات أخرى مقلقة حول نصف العمر الطويل لسياسة ترمب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. إذ لم يرفع بايدن التعريفات التي فرضها سلفه على واردات الاتحاد الأوروبي من الصلب والألمنيوم التي فرضت في الأصل لأسباب مشكوك فيها تتعلق بالأمن القومي. ولم تتم إعادة النظر في انسحاب ترمب من الشراكة عبر المحيط الهادئ. ورغم أن من الواضح أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ المنقحة، بقيادة اليابان الآن يمكن أن تكون سلاحا هائلا للضغط على الصين، يبدو أن بايدن خائف جدا من ظل ترمب لكسر المشاعر الحمائية بأي شكل من الأشكال.
لقد حان الوقت لأن تتوافق سياسات الولايات المتحدة التجارية والخارجية مع وعد بايدن أن "أمريكا ستعود". وفي ظل الظروف الحالية هناك استمرارية كبيرة جدا بين ترمب وبايدن في كلا المجالين.
إن أمريكا التي يجب أن يرغب بايدن في إعادتها هي أمريكا ديناميكية، ومنفتحة على العالم، وليست أمريكا القلقة في الماضي، والمريبة والمزدرية للآخرين. وإلى أن يقدم بايدن لفتة جريئة لطرد أسلوب السياسة الخارجية للولايات المتحدة سابقا، من المرجح أن تخيب آماله في استعادة القيادة الأمريكية العالمية.
بروجيكت سنديكت، 2021.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق