تاريخ فالصو: كيف بدأ تطبيق الجزية.. هل كان المسلمون الفاتحون أول من طبقوها؟
اختلف المؤرخون حول نقطتين فى فكرة "الجزية" فى التاريخ، الأولى تتعلق بأصل ابتكار الجزية فيرى الأغلبية أن الإسلام أول من ابتكرها وفرضها على غير المسلمين، والبعض يرى أنها ليست ابتكارًا إسلاميًا وأنها جرت فى كل الفتوحات فى مختلف الأمم قبل الإسلام.
النقطة الثانية تتعلق بهدف فرض الجزية فيرى بعض المتشددين، أنها عقابًا لغير المسلمين على عدم إسلامهم، والبعض يؤكد أنها كانت مقابل الحماية، ورغبة من المسلمين عدم اصطحاب المسيحيين في الفتوحات الإسلامية ففرضوا الجزية على من لم يشترك في الحروب، وأنها تسقط إذا صاحب الجيوش الإسلامية.
يثير كتاب "تاريخ فى الظل" للكاتب وليد فكرى، فكرة الجزية، وأنها ببساطة مقابل حماية من الأمة الغالبة لأهل البلدان المفتوحة، وأنها ليست ابتكارًا إسلاميًا كما هو شائع، بل هى ما جرت به قوانين الفتوحات فى مختلف الأمم.
ويضيف أن الجزية ليست عقاباً لغير المسلمين على عدم إسلامهم كما تقول بعض الكتابات المتشددة، مستدلًا بأنها لو كانت جزاء لهم على عدم اعتناقهم الإسلام لكانت فُرضت عليهم جميعًا ولكنها كانت مفروضة فقط على من يستطيع القتال، وكان يُستثنى من دفعها المعاقون والشيوخ والنساء ورجال الدين والفقراء.
ويدلل الكاتب وليد فكرى، أيضًا بدليل آخر على أنها لم تكن قهرًا لأهل البلدان المفتوحة، هو أنها كانت تسقط في حال اشتراكهم فى الدفاع عن البل إلى جانب جيش المسلمين، ويقول إنها انتهت عندما أصبح الوضع الطبيعى هو الاشتراك من أجل حماية الوطن ضد الأخطار الخارجية.
وهو ما يدل على وجود اختلاف تاريخى بين المؤرخين حول قضية الجزية، وفى نفس القضية يذكر كتاب "فقه التعايش" الصادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامى، أن غوستاف لوبون يرى فى (تاريخ حضارة الإسلام والعرب) أن المسلمين كانوا فى فتوحاتهم يحثون الطرف المغلوب على قبول الإسلام فإن لم يقبل عقدوا معه ميثاقًا بأن يدفع الجزية للمسلمين مقابل حماية الدولة الإسلامية له ضد الأعداء، ويذكر أن التاريخ الإسلامى يدل على أن قادة الجيوش الإسلامية بعد الفتح كانوا يكتبون فى عقد الذمة: "إذا لم نتمكن من حماية أهل الذمة لن نأخذ منهم الجزية".
فيما يُذكر، فى الكتاب نفسه، أن الجزية كانت لا تؤخذ من المواطنين الذين يؤدون الخدمة العسكرية، وأكد أن الجزية كانت لا تؤخذ من الكفار الأجانب، لأنهم ليسوا تحت حماية الدولة الإسلامية، ولكن كانت تتم معاهدات بين المسلمين والكفار الأجانب لوقف الحرب أو غيرها من الاتفاقات.
ويؤكد المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقى، أن الجزية نشأت مع الحكم الإسلامى، وأن ما يُشاع حول أن الإسلام لم يكن ابتكرها، هى مجرد اجتهادات لتبرير بُعد الإسلام عن اختراع الجزية، وهو خطأ من البعض، مشيرًا إلى أنه وقت الفتوحات لم تكن فكرة الوطن موجودة أو الدفاع عن الوطن.
وأوضح، الدكتور عاصم الدسوقى فى تصريحات لــ"فالصو"، أن سبب ظهور الجزية وقتها هو أن المسلمين كانوا يفتحون بلاداً مسيحية، فكانوا يأخذون معهم جنودًا من هذه البلاد، وبعضهم يدين بالديانة المسيحية، فكانوا يخشون من انضمامهم للبلاد المفتوحة التى تدين بغير الدين الإسلامى، من هنا جاءت فكرة الجزية لإبعاد من لا يريد الاشتراك فى الفتوحات من غير المسلمين، وأضاف أن الجزية ارتبطت بهذا الحدث، فهى كانت مقابل دفاع المسلمين عن غير المسلمين، وظلت الجزية إلى أن ألغاها الوالى محمد سعيد باشا عام 1855 م، بذلك تكون انتهت الجزية.
الدكتور أيمن فؤاد سيد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، كشف لـ"فالصو" أن الجزية كانت فعلا موجودة فى الحضارات القديمة، مثل الدولة الرومانية، باعتبارها ضريبة رأس، لكنها كانت شائعة فى التاريخ الإسلامى بهذا الاسم، الجزية، وكانت تُفرض مقابل الدفاع عن الأشخاص الذين ليس لديهم مواطنة كاملة، أو حقوق كاملة فى المواطنة، والسلطان عبد العزيز العثمانى ألغاها عام 1850، أو 1851 لأنه رأى أن المجتمع به عناصر كثيرة غير إسلامية، وجعلهم ينخرطون فى الجيش، فقرر إلغاءها.
لا يمكن بعد هذا الخلاف فى الآراء أن نقطع بيقينية أن الجزية كانت من ابتكار الإسلام أو أنها ظهرت معه، وتظل الحقيقة فى هذا الخلاف بين المؤرخين فى الوقائع التاريخية غير مقطوع بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق