إنّ الحقوق بصورتها العامة المجردة تبقى حقوقًا على قائمة الانتظار ما لم تترافق بمبدأ هام كرسته المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتعليقات اللجان التعاهدية ألا وهو مبدأ امكانية الوصول.
وإمكانية الوصول حالةٌ تعبر عن قدرة الأفراد على التمتع بحقوق الإنسان بصورة فعلية، فلا يكون التغني بها شكليًا، وإنما يكون السعي نحو ممارستها هدفًا للسلطات المعنية بكفالة هذا الحق وإيمانًا مطلقًا بأنّ الوصول يجب أن يكون للأفراد جميعًا دون استثناء.
التعليم عن بُعد، يطرح من جديد اشكالية الوصول إلى الحق، وقدرة الأفراد على التمتع به بالسوية ذاتها. جائحة كورونا وتداعياتها فرضت مستجدات واستحقاقات جديدة على دول العالم، خاصة في مجال التعليم، الذي اتخذ أشكالًا كانت توصف بالاستثنائية في الأحوال العادية، فالحالة الرقمية طغت على المشهد، وتناهت وزارة التربية والتعليم مع هذه الرؤية الجديدة وبذلت الإمكانات لتأسيس تعليم عن بُعد لتواكب هذه المستجدات.
في اطار هذا المشهد العام وفي خضم الجدل والنقاش حول جودة التعليم عن بعد وكفايته، بقيت مسألةٌ مبدأيةٌ عالقةٌ بين غياب الأرقام والمعطيات الكافية، مسألةٌ وجودية بالنسبة لأطفالً وجدوا أنفسهم في معترك لم يعهدوه في حياتهم السابقة، هذه المسألة المتمثلة في تمكينهم من الوصول إلى التعليم عن بُعد، في ظلّ تفاوتات اجتماعية وطبقية لا تمكن العديد منهم من أدوات التكنولوجيا ومن الاتصال بالشبكة العالمية للمعلومات(الإنترنت) وذلك في الأحوال الطبيعية، فما بالنا في أحوال وظروف استثنائية فرضت معطيات جديدة وكبلت الحياة الاقتصادية للأفراد عمومًا.
عدم قدرة الأفراد جميعًا على الوصول إلى منظومة التعليم عن بُعد تشكل أحد الأسباب الرئيسية التي تستدعي أن تتم مراجعة وتقييم القرار الصادر بانتهاج هذا النوع من التعليم حتى نهاية الفصل الدراسي الأول، ناهيك عن الأسباب الأخرى المتمثلة في جودة هذا النوع من التعليم والتأثيرات الاجتماعية والنفسية على الطلبة نظرًا لانقطاعهم عن التواصل والاتصال التعليمي ضمن مجموعات ما يؤثر على تطورهم السلوكي.
الاطلاع على الممارسات الفضلى في هذا الاطار يساعد في تشكيل الرؤية الأمثل لإشكاليات التعليم وآليات التعامل معه في ظل هذه الجائحة؛ فالعديد من الدول اتبعت تعليما هجينًا يدمج بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بعد، بل أنّ العديد من القرارات القضائية الصادرة والمتعلقة بالطعن في التعليم عن بعد أوجبت أن يتم التعليم داخل الغرفة الصفية مراعاة لمصلحة الطفل الفضلى وتغليبًا -حين المفاضلة بين عدة معطيات- للحق في التعليم للاطفال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق