فلسطين... القوانين تبيح القتل والعنف ضد النساء

. . ليست هناك تعليقات:



نستطيع القول إن العنف ضد المرأة الفلسطينية عنفٌ توافقت عليه جميع الأطراف التي لها سطوة وسلطة، بدءاً من الاحتلال وانتهاءً بالسلطة الأبوية. إن الاحتلال يجعل من العنف ضد النساء عنفاً مركباً، فهي تواجه ممارسات الاحتلال الفاشية كما يواجهه أي فرد من أفراد الشعب الفلسطيني من قتل واعتقال وتعذيب وحرمان من جميع الحقوق الأساسية للإنسان، كالتنقل والعمل ولمّ شمل العائلات، ونهب ممتلكات وتدميرها، كما تواجه العنف الناتج من آثار العنف التي يتعرض لها الذكور في المجتمع الفلسطيني من الاحتلال خلال حياتهم اليومية، وتفريغ هذا العنف ضد نسائهم وبناتهم عند العودة إلى البيت. 

إن وجود الاحتلال يشكل عائقاً أساسياً في إيجاد منظومة حماية للنساء وتطبيقها على الأرض، فالتركيبة الجغرافية التي نتجت من اتفاقية أوسلو وتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى "أ" و"ب" و"ج"، تحول دون قدرة أجهزة الأمن الفلسطيني مجتمعة على توفير الحماية للنساء، ففي مناطق "ج" على سبيل المثال، لا يستطيع الأمن الوصول إلى المرأة إلا بعد إجراء عملية التنسيق مع الاحتلال للدخول إلى هذه المناطق، وبالتالي تكون المرأة قد أصبحت جثة، فالسيادة القانونية على الأرض والهواء والحدود من أهم عوامل الحماية وبسط الأمن والأمان. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ومع تصاعد حالات العنف عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يقف الأمن الفلسطيني عاجزاً عن الوصول إلى المعتدي الذي يمتلك خط هاتف وإنترنت من خطوط وشبكات الاحتلال، علماً أن شبكات الهاتف والإنترنت التابعة للاحتلال تغطي جميع الأراضي الفلسطينية بجميع تصنيفاتها، سواء "أ" أو "ب" أو "ج"، ما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني.

أضف إلى ذلك سهولة هروب الجناة واختباؤهم في مناطق خارج السيادة الفلسطينية، ما يشكل خطراً وعائقاً لإنفاذ القانون والقصاص من الجاني، لذلك إن زوال الاحتلال ووجود السيادة الوطنية على الأرض الفلسطينية من أحد أهم العوامل التي ستساعد على ترسيخ وضمان الحماية والأمن للنساء والشعب الفلسطيني عامة. ولكن هذا لا يعفي السلطة الفلسطينية والمجتمع من مسؤولياته في حماية النساء الفلسطينيات وتوفير الأمان لهن، فلن يكون الاحتلال الذريعة والشمّاعة التي نلقي عليها مشكلاتنا ونعفي من خلالها المسؤولين من مسؤولياتهم، فإيجاد منظومة قانونية وإجراءات وتدابير وسياسات وتنفيذ على الأرض وشبكة أمان اجتماعي، حتى ولو كان ضمن الحدود الممكنة، هو مسؤولية الدولة الفلسطينية مئة بالمئة.

وبالرغم من انخفاض نسبة العنف ضد النساء في فلسطين، من خلال المقارنة بين مسح العنف لعام 2011 ومسح العنف عام 2019 بنسبة 8%، حيث كانت النسبة عام 2011 (37%) وعام 2019 (29%)، إلا أنها تعدّ نسبة عالية وتشير إلى خطورة هذه الظاهرة، ولا سيما تصاعد وتيرة عدد حالات القتل ضد النساء في فلسطين، ففي أحدث دراسة أعدّها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي لعام 2019، أظهرت النتائج أنه "خلال عام 2015 تم رصد وتوثيق 15 حادثة قتل لنساء وفتيات فلسطينيات، فيما تم رصد 23 حالة قتل أخرى خلال عام 2016، ورصد قتل 29 امرأة وفتاة خلال عام 2017، بينما رصد المركز24 عملية قتل أخرى خلال عام 2018"، بينما صرح المركز نفسه في اتصال هاتفي أن الإحصائيات لحالات قتل النساء لعام 2019 بلغت 24 حالة، بينما حالات القتل لعام 2020 وحتى نهاية شهر حزيران بلغت 17 حالة، علماً أن هناك حالتَي قتل لنساء خلال شهر تموز الماضي، وبالتالي تكون حالات القتل لعام 2020 قد بلغت حتى اللحظة 19 حالة، بينما حسب تقارير الشرطة، فإن حالات قتل النساء لعام 2019 هي 3 حالات وعام 2020 وحتى نهاية تموز 4 حالات. وهذا يقودنا إلى رؤية أخرى في كيفية النظر والتوثيق في حالات قتل النساء بين المجتمع المدني والأمن.

وبالرغم من علمنا أن العنف والقتل عامة وقتل النساء خاصة هي جريمة عالمية ولا تقتصر على مجتمعنا، ولكن على صعيد عالمي لا يوجد قوانين تعفي القاتل من العقاب تحت ذرائع مختلفة، بل على العكس، هناك قوانين رادعة تتعامل مع جرائم قتل النساء كأي جريمة قتل أخرى يعاقَب عليها الجاني بأقصى العقوبة، بينما في فلسطين وفي مجتمعات عربية أخرى، هناك العديد من القوانين التي تعفي القاتل من العقوبة وتنص صراحة على إعطاء الإذن لولي الأمر الذكر في العائلة لقتل المرأة ذات صلة القرابة من الدرجة الأولى في بعض الحالات التي تشير لها هذه المواد، ومنها المواد 340، 98 من قانون العقوبات، والمادتان تتعلقان بتخفيف العقوبة إلى حد يصل إلى الإعفاء من العقوبة نهائياً، في حال قتل المرأة عند ضبطها في وضع جنسي خارج العلاقة الزوجية، أما المادة 99 من قانون العقوبات فتعطي الحق لولي الدم بإسقاط الحق الشخصي الذي يتم الاستناد إليه في معظم الحالات التي يتم فيها إعفاء الجاني من العقوبة، علماً أن الجاني هو نفسه ولي الدم، أي إنه يعفي نفسه من العقوبة أو يعفي شريكه في الجريمة. والمادة 308 التي تنص على إعفاء المغتصب من العقوبة إذا تزوج من الفتاة التي اغتصبها.

هذه المواد التي ذُكرت أعلاه، تم العمل والضغط على الحكومة لإلغائها، وبالفعل تم إلغاؤها أو تجميدها، ولكن ما مدى مصداقية وفعالية إلغاء أو تجميد هذه المواد؟ وما مدى قدرة المحامين والقضاة الذين يحملون العقلية الذكورية نفسها التي تجرّم الضحية، على إيجاد مواد قانونية أخرى في قانون العقوبات على سبيل المثال تساعد على إفلات المجرم من العقاب في حالات القتل والعنف ضد النساء؟ بالطبع هي كثيرة ضمن القوانين الأردنية لعام 61، والمعمول بها حتى اللحظة في الضفة الغربية والقوانين المصرية لعام 56، والمعمول بها في قطاع غزة، وخصوصاً قانون العقوبات، فهل تصلح قوانين عفّى عليها الزمن لتحكم في عام 2020؟

إن ما نصبو اليه هو وجود منظومة قانونية واجتماعية تجرّم العنف ضد النساء وتعاقب المجرم وتحمي الضحية وتساعدها على تجاوز هذا العنف. إن حماية النساء الفلسطينيات بتوفير منظومة قانونية تحتاج إلى ضمان هذه الحماية القانونية أولاً ضمن دستور أو قانون أساسي، يضمن هذه الحماية وينص على أن تكون القوانين المعمول بها حامية للنساء من العنف وتجرّم هذا العنف. ثم يأتي نسف لمنظومة القوانين المعمول بها حالياً وتطوير قوانين جديدة صالحة للواقع الفلسطيني وشاملة ومنسجمة بعضها مع بعض، بحيث تبدأ من إقرار مشروع قانون حماية الأسرة من العنف الذي بدأ العمل على تطويره منذ عام 2004، وحتى اللحظة لم يرَ النور، ثم قانون أحوال شخصية جديد، وقانون عقوبات جديد متوافق مع قانونَي الأحوال الشخصية وحماية الأسرة من العنف وليس متناقضاً معهما كما هو حالياً. كذلك تعديل مجموعة القوانين التي تم استحداثها مع مجيء السلطة الفلسطينية، مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقوانين العمل (قانون العمل وقانون الخدمة العسكرية وقانون الخدمة المدنية) وجميع القوانين الأخرى المعمول بها لتتضمن مواد تمنع العنف وتحمي من التحرش والإيذاء، وتجرّم المعتدي وتنصف الضحية.

إن العمل على تعديل بعض المواد في قانون العقوبات أو أي قوانين أخرى، والإبقاء على القانون الموجود حالياً، أثبت فشله وعدم جدواه، ولهذا لن أخوض في نصوص المواد التي تشرّع القتل والعنف ضد المرأة تحت ذريعة الإخلال بالشرف والتأديب وما هو المطلوب لتعديلها، لأننا بحاجة إلى منظومة قانونية جديدة، تؤسس لتغيير اجتماعي وثقافي، وتساهم في تسريع هذا التغيير، وهو يحتاج أيضاً إلى وجود شبكة أمان للنساء لمساعدتهن على مواجهة هذا العنف والتمرد عليه وعدم القبول به تحت ضغط الوضع الاقتصادي ورعاية الأطفال وتأمين مكان آمن لها ولأطفالها. كذلك إيجاد نظام ومنهاج تعليمي يرسخ مناهضة العنف ويؤسس للحوار والديمقراطية داخل الأسرة والمجتمع الفلسطينيين.

إن ما نشاهده من هجمة شرسة موجهة ومنظمة من القوى الظلامية لمحاربة إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، وتأييد شريحة من المواطنين لهم، يؤكد أن هناك جزءاً لا بأس به في المجتمع الفلسطيني بتوجهاته الذكورية يؤيد العنف ضد النساء ويستميت للدفاع عن المجرم، ويهدف الى الحفاظ على المكاسب الذكورية في قمع النساء والتحكم بهن كملكية عامة للأسرة، محاولين أن يكون ذلك تحت مظلة الدين، وتغاضيهم عن انتهاك كل الشرائع السماوية التي تحرّم اغتصاب البنات والأخوات وبنات الأخوة وبنات الأخوات وغيرها من (المحرمات)، وكذلك تحريم الحرمان من الإرث، وأكل حق الأيتام، وعقوق الوالدين، والتخلي عن الواجبات الزوجية، إضافةً إلى القضايا التي تُرتكب يومياً ممن ينادون بتطبيق الدين والشريعة وينتهكونها في كل لحظة.

أخيراً أود التأكيد أن حماية المرأة من العنف يعني حماية الأسرة والمجتمع من العنف، فتربية أجيال تحترم المرأة وتناهض العنف ضدها، والعيش في أسرة صحية وخالية من العنف، كل ذلك سيعزز من وجود مجتمع ينبذ العنف، ما سيؤدي إلى خفض معدل الجريمة بدرحة كبيرة.

+مديرة تنمية وإعلام المرأة (تام)
كن مدون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة