وُضعت القوات العسكرية الأميركية المنتشرة حول العالم في حالة تأهب قصوى في معظم الدول التي انتشر فيها فايروس كورونا واتخذت اجراءات عاجلة وتفعيل تدابير الطواريء لديها، وما ترتب على ذلك من إعادة التأكيد على جهوزيتها للقيام بدورها أو لمساندة السلطات والأجهزة المدنية في مكافحة الوباء وحفظ السلم والمؤسسات العامة.
كشف النقاب قبل أيام عن رسالة استغاثة عاجلة، بتاريخ 30 آذار، من ربان حاملة الطائرات الأميركية النووية روزفلت، بريت كروزير، لمرؤوسيه يخطرهم فيها إلى تفشي الفايروس بين صفوف قوات البحرية وتوصيته بفرض حجر صحي على معظم أفراد الطاقم الذي يبلغ تعداده نحو 5000 عسكري.
وأضاف في استغاثته أنه “من المستحيل تطبيق التباعد الاجتماعي على متن الحاملة” إذ يعيش عدد كبير من البحارة في مساحات ضيقة، “لسنا في حالة حرب؛ ولا ضرورة لأن يموت البحارة.”
في تلك الأثناء بلغ عدد المصابين بين البحارة حوالي 100 على الأقل، حسبما أفادت يومية سان فرانسيسكو كرونيكل التي نشرت استغاثة القبطان.
القائد الأعلى السابق لقوات الناتو، الأدميرال جيمس سترافيديس، أعرب عن خشيته من تفاقم الأزمة “وينبغي علينا توقع مزيداً من تلك الإصابات نظراً للمساحات الجغرافية الضيقة على متن حاملات الطائرات والتي تعتبر البيئة الأمثل لانتشار فايروس كورونا.”
قادة البنتاغون “تجاهلوا رسالة الاستغاثة،” وفق موقع قناة “الحرة” الأميركية، وهدد بعضهم بتقديم القبطان للمحاكمة لتعريضه الجهوزية القتالية للخطر بإبلاغه وسائل الإعلام بذلك. وأوضح موقع القناة أن “قادة سلاح البحرية لم يستجيبوا بسرعة لنداء” الاستغاثة الذي أصر على إبلاغ البنتاغون بأن أكثر من 4000 بحار مصابون بالفايروس “والحاملة لم تعد مؤهلة لتنفيذ أي مهام عسكرية.”
بالتوازي مع الاستغاثة، صرح وزير الدفاع مارك أسبر، 31 آذار، وهو شخصياً في الحجر الصحي أن سلاح البحرية ليس جاهزاً لإخلاء الحاملة، مطمئناً الأهالي بأن الأمور ليست سيئة كما يشاع؛ نافياً علمه برسالة القبطان الاستغاثية.
استدرك القبطان في رسالته التأكيد على جهوزية فريقه كخيار بديل للإجلاء على الرغم من “الخسائر البشرية المترتبة على الفايروس،” وفق ما تقتضيه المهنية العسكرية؛ أما الخيار الأمثل، حسب توصيته، يتمحور حول إخلاء معظم البحارة والإبقاء على هيكل متواضع للعمل، نحو 500 عنصر، لصيانة المفاعلات النووية وتطهير الحاملة من الوباء.
وقال نائب وزير البحرية الأمريكية، توماس مودلي، لشبكة “إم إس إن بي سي،” الأول من نيسان، إن 1000 بحار نقلوا من حاملة الطائرات، وأن “المزيد والمزيد” يتم نقلهم لتلقي العلاج، وسيبقى آخرون على متن السفينة للحفاظ على تشغيلها.
الأزمة على متن الحاملة النووية “روزفلت” سلطت الضوء على المخاطر التي تلوح في أفق البنتاغون إذا تمكن الفايروس من الانتشار بين قطعاته المختلفة من أساطيل القاذفات ووحدات القوات الخاصة وحاملات الطائرات؛ فضلاً عن “المعضلة المركزية” للقيادات العسكرية المهنية التي أضحت أمام تحدي جديد غير مرئي بأن الإبقاء على الجهوزية العسكرية في أعلى مستوياتها “يمكن أن يعرض الصحة العامة للجنود للخطر.” (يومية نيويورك تايمز، 1 نيسان).
اصدرت القيادة العسكرية الأميركية قرارا، نهاية شهر آذار، بوقف معظم التدريبات والتمارين والأنشطة غير الأساسية التي تتطلب من القوات أن تكون على اتصال وثيق، بعد ارتفاع معدل الإصابة بين صفوف القوات المسلحة.
أولى ضحايا الفايروس بين العسكريين كان القبطان بريت كروزير الذي كافأه قادة البنتاغون بعزله، 2 نيسان، وهو في أوج عمله متوقعاً ترقيته المقبلة لمرتبة ادميرال. وأوضح نائب وزير البحرية الأمريكية، توماس مودلي، انه “تم أعفاء بريت كروزير قائد حاملة الطائرات تيودور روزفلت، التي وصلت رسالته حول تفشي فيروس كورونا على متن حاملة طائرات إلى وسائل الإعلام .. وخرج الوضع المستجد عن سيطرته.”
مسرح عمليات حاملة الطائرات” روزفلت” والقطع الأخرى المرافقة كان بحر الصين الجنوبي وفي ظل تصاعد الصراع بين واشنطن وبكين؛ وخروج تلك القوة العسكرية الحديثة من الخدمة، لما لا يقل عن 10 أيام، سيضطر قيادات البنتاغون اتخاذ تدابير بديلة وعاجلة، ليس للسيطرة على انتشار الفايروس فحسب، بل لضمان عدم تسرب أي معلومات ذات طبيعة استخباراتية يستفيد منها الخصم؛ وتعديل في الموارد والقدرات للمحافظة على مستوى الجهوزية المطلوبة.
للتخفيف من اطلاع الجمهور على حقيقة الأوضاع بين أفراد القوات المسلحة أصدرت البنتاغون أمراً لكافة الوحدات القتالية بعدم الإفصاح عن بيانات الإصابات إذ أن “المعلومات الخاصة بجهوزية الوحدات العسكرية الرئيسة هي سرية للأمن العملياتي وقد تقوّض القدرة القتالية أو الردعية.”
بالإضافة لتلك المسائل الجوهرية في خطط البنتاغون فالقرار السياسي والعسكري الأميركي يشهد تحدياً آخراً في منطقة عمليات القيادة المركزية على ضوء التصعيد العسكري بين واشنطن وطهران وتصريحات الأخيرة بأنها “قد” ترد على الاستفزازات الأميركية باستهداف قواتها العسكرية وضد مصالحها الأخرى المنتشرة في المنطقة.
جاء ذلك في أعقاب تصريحات الرئيس الأميركي مؤكداً على جهوزية قواته العسكرية لتبديد شكوك الخصوم الدوليين من ناحية، وتهديد إيران بأنها “ستدفع ثمناً باهظاً جداً” في حال تعرضت القوات الأميركية في العراق إلى هجمات.
أيضاً في حال نشوب نزاع مسلح مع إيران، مباشرة أو بوسائل أخرى، فإن حاملة الطائرات “روزفلت” ومجموعاتها القتالية ستتولى مهام دعم القوات الأميركية في المنطقة. في ظل اجراءات تطهيرها من الوباء وخروجها من الخدمة الفعلية سيؤثر مباشرة على تنفيذ الخطط العسكرية المعدة. وعليه، يستطيع المرء استدراك القيادة العسكرية الأميركية لخطورة الأوضاع وإصرارها على ضمان الجهوزية العسكرية للمجموعة القتالية نظراً لحاجة البنتاغون تحريك حاملتي طائرات للمرابطة في مياه المحيط الهندي كأقرب نقطة مناورة لمضيق هرمز.
في سابقة تاريخية، تعرضت حاملة الطائرات الأميركية ساراتوغا في مياه البحر الأبيض المتوسط، 1977، إلى إصابة أحد بحارتها بوباء التهاب الكبد والتهديد بانتشاره بين طواقمها بعد وجبة حلويات تناولوها. ورست الحاملة بالقرب من شواطيء لبنان آنذاك بانتظار توفير لقاح (الغلوبين) الذي لم تتوفر كميات كافية منه في أوروبا لتلقيح كافة أفراد الطاقم. وعلى الرغم من خطورة الاصابات استمرت الحاملة في تأدية مهامها ومنها الاستعداد لإجلاء الرعايا الأميركيين خلال الحرب الأهلية هناك.
دور العسكر في إدارة الأزمة لن يكون أفضل من السياسيين
من أبرز الاجراءات الاحتياطية التي اتخذتها المؤسسة العسكرية الأميركية لمواجهة أسوأ الاحتمالات بضمنها شلل قد يصيب القيادات الرسمية العليا كانت انعزال مجموعة من كبار القيادات العسكرية في قبو على عمق 600 متر تحت الأرض، تحت جبل شايان في ولاية كولورادو، “لضمان استمرار الأمن القومي” للولايات المتحدة.
القبو بإدارة سلاح الجو وقيادة “شعبة أميركا الشمالية – نوراد” انشيء إبان الحرب الباردة وصمم لمقاومة انفجار نووي مباشر؛ أما نوراد فتم استحداثها بعد هجمات 11 أيلول 2001.
رئيس “نوراد” الجنرال ترينس أوشاونسي أكد الهدف من “عملية الإنعزال هو للدفاع عن البلاد رغم انتشار الوباء .. وضمان جهوزية الوحدات العسكرية (في القبو) للسيطرة على الأوضاع” في حال فتك الفايروس بالقيادات السياسية والعسكرية والأمنية. يشار أيضاً في هذا السياق إلى إقدام دول عدة في اوروبا الغربية وروسيا والصين على اتخاذ إجراء مماثل لإنعزال “قيادات عسكرية ومدنية متخصصة” جاهزة لتسيير الأعمال الرسمية، كثمرة استعدادات الحرب النووية السابقة.
وأعلنت البنتاغون، 28 آذار، عن تجميدها لتنقلات العسكريين الأميركيين كافة حول العالم ولمدة شهرين؛ والغاء المناورات العسكرية المقررة مع دول حلف الناتو، في إطار المساعي والتدابير للحد من انتشار الوباء.
العمليات العسكرية الأميركية في الخارج “مستمرة رغم تفشي الفايروس” وفق تأكيد نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة جون هايتن موضحاً “لا يوجد تأثير على تنفيذ العمليات. فالمهام التي نقوم بها في كل أنحاء العالم لا تزال تنفذ وفقا للقواعد ذاتها وللنموذج نفسه .. الفايروس ليس له تأثير” على الأداء.
الدور المتجدد لتسلم القوات العسكرية مهام إدارة البلاد أمر غير مألوف في الولايات المتحدة خارج نطاق تدابير عصر الحرب الباردة، التي دشنها الرئيس الأسبق دوايت آيزنهاور ببرنامج “الاستجابة للكوارث،” وتحديثه تباعا من الرؤساء الأميركيين، لا سيما في عهد الرئيس جورج بوش الإبن. كما أصدر الرئيس السابق باراك اوباما، في سنته الرئاسية الأخيرة، أمراً يوضح “المهام الأساسية” التي ينبغي الحفاظ عليها في حالة الطواريء.
في الثامن عشر من شهر آذار الماضي نشرت اسبوعية نيوزويك تحقيقاً حول “الخطط العسكرية بالغة السرية” لإدارة البلاد في حال “أصاب الشلل عمل وأداء الحكومة نتيجة فايروس كورونا،” استرسلت فيه بوصف الخطط المحتملة لقيام “حكم عسكري” للسيطرة على البلاد؛ مما أثار اهتمامات عديدة.
وأضافت المجلة أن وزير الدفاع، مارك أسبر، وقع أمراً بتاريخ الأول من شباط/فبراير الماضي لقيادة القوات الشمالية – نورث كوم، مقرها في ألاسكا، لتفعيل التدابير الضرورية وتنفيذ مهام خاصة لاستمرارية السيطرة على البلاد في حال تعرض الرئيس الأميركي وإدارته أو السلطتين التشريعية والقضائية لأي سوء يحول دون أدائهم مهامهم.
الجنرال اوشاونسي، قائد القيادة الشمالية، سيتولى مهام إدارة البلاد بناء على مرسوم رئاسي أصدره الرئيس ترامب، وفق تحقيق المجلة.
خطط الطواريء “السرية” الموضوعة تتدرج بتطبيقها وفق تحديد القيادة العسكرية للمخاطر، بدءاً من ثلاثة خطط مخصصة للنقل وتأمين إجلاء الرئيس ونائبة وعائلتيهما، وكذلك وزير الدفاع ومسؤولي الأمن القومي وقادة الكونغرس وأعضاء المحكمة العليا إلى مواقع آمنة محصنة بولايتي ماريلاند وفرجينيا المجاورتين.
الخطط الثلاثة التالية تتعلق بآلية الحفاظ على استمرار الأداء الرسمي وتنصيب قيادات عسكرية بديلة لأداء المهام المدنية في اجراء اعتبر “تحايلاً على تسلسل السلطات” المنصوص عليها في الدستور. وتعرف الخطط بأسمائها: اوكتاغون، فري جاك، وزودياك.
في المرتبة الأخيرة والأهم من تسلسل خطط الطواريء تأتي “ظل الصوان – Granite Shadow” المتعلقة بإدارة أسلحة الدمار الشامل والتصرف نيابة عن السلطات المحلية دون الاضطرار لاستحصال موافقة أو إذن رئاسي مسبق، لا سيما في حال نشوب “اضطرابات مدنية غير متوقعة ..”
الانتشار السريع لوباء كورونا وفشل السلطات المركزية في التعامل والسيطرة عليه، كما كان مأمولاً، وما يرافقه من تفاقم الأزمة الاقتصادية وتصاعد معدلات البطالة إلى مستويات ليست غير مسبوقة فحسب، بل ستتخطى معدلات البطالة أبان الأزمة الاقتصادية الكبرى في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ومؤشرات المجاعة التي ستطال قطاعات اجتماعية واسعة، قد تؤدي لجملة من الاحتجاجات أبرزها: فوضى عارمة قد تؤدي إلى اشتباكات مسلحة، وعصيان مدني شامل يهدد كيانية الولايات المتحدة.
وعليه، وبناء على المعلومات المتوفرة لإجراءات الطواريء المعتمدة، فإن “الإخفاق” الرسمي في الحد من انتشار الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، قد تشكل الأرضية الخصبة لتولي القيادات العسكرية زمام إدارة البلاد؛ وتسخير ما تبقى من قدرات ردعية أميركية وتوظيفها في صراع عسكري مفتوح مع الصين وروسيا لقطع الطريق على تبلور تعدد الأقطاب الدولية وتكريس السيطرة الأميركية الأحادية المتآكلة بسبب كورونا.
لكن فضيحة الحاملة “روزفلت” تكشف ايضا وبجلاء هشاشة الجهوزية العسكرية الأميركية، ولن يتمكن القادة العسكريون من التغطية على مفاعيل الوباء على البنية البشرية في صفوف العسكر والتي ستتماثل مع ما لحق بالبنية المدنية من شلل وأذى بالغ.
الكابتن المعزول كروزير يتم تحويله الى كبش فداء لتغطية فشل وارتباك وعجز القيادة العليا في البنتاغون بذريعة مخالفته لقواعد التسلسل القيادي وتسريب استغاثته للإعلام، ولكنه بنظر البحارة ومعظم أفراد القوات العسكرية بطل يستحق أعلى الأوسمة والترقيات لحرصه الشديد على سلامة وأمن طاقمه.
2020-29-03-التحليل
التحليل
النظام الرأسمالي الأميركي يعاني
من أزمة بنيوية لن تنقذه وصفة ضخ الأموال
تحققت نبوءة الرئيس ترامب وحلت بلاده على المرتبة الأولى عالمياً في عدد الإصابات بفايروس كورونا، ويمضي بثبات معبراً عن رعونته ونزقه بالتركيز على مسألتين: حال الاقتصاد وإعادة انتخابه، في علاقة تفاعلية تؤثر على مستقبله وخططه الراهنة، لا سيما وان إجراءات الوقاية الصحية المعتمدة والقاصرة راهناً انعكست بصورة فورية على الأداء الاقتصادي برمته؛ فوضى الإجراءات تنطلق من حالة الشلل العام وليست استثناءاً.
البيت الأبيض يسعى جاهداً لتجاهل تناقضات مواقفه وتخبط قراراته في التعامل مع الفايروس منذ اليوم الأول، لا سيما تصريح الرئيس ترامب بعد 48 ساعة من اكتشاف أول إصابة بالفايروس في ولاية واشنطن متفاخراً “نسيطر على الوضع بشكل كامل. (الإصابة) هي لشخص بمفرده أتى من الصين. الأوضاع ستكون على ما يرام.”
وزير العمل الأسبق، روبرت رايش، في سياق انتقاده لتخلف الرد الرسمي على انتشار الوباء أكد أن العقلية المتحكمة في القرار السياسي تدل على أن “الولايات المتحدة أفاقت لتجد نفسها في مواجهة حقيقة بانتفاء القدرة العامة تقريباً على مكافحة الوباء .. كما أن انعدام توفر نظام رعاية صحية شاملة أدى للجوء العامة إلى نظام الرعاية الخاص الذي يعمل وفق آلية الربح لا أكثر.”
في خضم الفوضى السائدة والناجمة عن تخبط وعدم دراية ونكران للحقائق العلمية التي تفسر جائحة كورونا، توصل جناحي السلطة السياسية، قيادات الحزبين الديموقراطي والجمهوري، إلى اتفاق يقضي بتخصيص ميزانية عاجلة للطواريء تنفق وفق آليات وضوابط متفق عليهاتعادل نصف الميزانية السنوية العامة للدولة التي تبلغ قيمتها 4،829 تريليون لعام 2021، بضمنها عجز 1 تريليون دولار تقريباً.
أطلق الفريقان على اتفاقهما بصرف ألفي مليار (2 تريليون) دولار عنواناً محببا في الاقتصاد الرأسمالي، تحفيز المستهلك على الطلب، بضخ جزء يسير من المبلغ المرصود في جيوب “المستهلكين،” لمرة واحدة لا تتعدى بضعة أسابيع.
وعليه، تعهدت الدولة بزيادة حجم المعروض من الأموال التي لم تأتِ نتيجة عملية طبيعية من انتاج بضائع وخدمات لا سيما الأغذية والتي سترتفع أسعارها نحو 25% دفعة واحدة. ولذا يحذر الخبراء الاقتصاديون من حالة الركود الاقتصادي المقبلة في ظل مناخ عدم اليقين مما تخبئه الأيام المقبلة.
حصة الأسد في الاتفاق ذهبت لكبريات الشركات والمؤسسات التي ستتلقى دعماً مباشراً قيمته (500) مليار دولار؛ 367 مليار على شكل قروض يتم الإعفاء منه للشركات المتوسطة التي لا يتعدى حجم موظفيها 500 عنصر؛ 250 مليار تصرف للذين فقدوا وظائفهم؛ 100 مليار للمستشفيات ونظم الرعاية الصحية؛ 150 مليار تصرف للولايات المختلفة تعزيزاً لجهودها في مكافحة الفايروس؛ 290 مليار لدعم الأسر التي فقدت دخلها؛
كما فوّض الرئيس ترامب وزيري الأمن الداخلي والدفاع لاستدعاء جنود الاحتياط في الجيش والبحرية وسلاح الجو وقوات خفر السواحل للخدمة قد تمتد لسنتين، بأعداد “لا تتجاوز مليون فرد في أي وقت” كجزء من الإعداد لنشر القوات المسلحة بإمرة الرئيس حصراً.
برنامج (حزمة) الطواريء تضمن موافقة قادة الحزبين لنصوص تحدد بعض الآليات التي من شأنها تعزيز الشفافية والمساءلة في الصرف والجهات المستفيدة، قبل توقيع الرئيس ترامب عليه في ساعة متأخرة من يوم الجمعة، 27 آذار.
من أبرز آليات البرنامج كانت انشاء منصب “مفتش عام” وفريق عمل يعاونه ملحق بوزير الخزانة للإشراف عل عملية الصرف وتقديم تقارير دورية للكونغرس. الرئيس ترامب استثنى من تفعيل القانون البند الخاص بإنشاء المنصب (المادة 4018 من القسم A).
وقال في تغريدة نشرها “.. أنا لا أفهم، وادارتي لن تتعامل مع (المفتش العام) أو تقديم تقارير للكونغرس دون إشراف رئاسي ..”
كما تضمن اتفاق الحزبين استثناء أي من مصالح الرئيس ترامب وعائلته التجارية من تلقي دعماً مالياً، وينطبق الأمر أيضاً على أعضاء الكونغرس ومسؤولين آخرين.
وعليه، فإن صرف حصة الأسد في برنامج الطوارئ، 500 مليار دولار، سيشرف عليها وزير الخزانة ستيفن منوشن حصراً دون ضوابط أو شروط معينة. مرة أخرى “أموال الشعب” الضرائبية تموّل الشركات الكبرى دون قيود، أسوة بما فعله سلفه الرئيس أوباما عام 2009 مع كارتيلات المال في وول ستريت.
عضو مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا، كايتي بورتر، انتقدت صيغة الاتفاق وهزالة القيود المفروضة بتجاهلها حماية حقوق الموظفين والعمال الذين يتقدمون بأعداد كبيرة غير مسبوقة لتلقي معونات توفر لهم جزءاً يسيراً من مداخيلهم السابقة. وقالت “ما لم يتضمنه (الاتفاق) عند توفير الأموال التي ستصرف كقروض للشركات اشتراطها الصرف باستمرار موظفيها على رأس أعمالهم – وهي النقطة المركزية في هذا البند بالذات.”
وحذرت النائبة بورتر من سوء الاستخدام والمحاباة في عمليات الصرف بقولها أن الأموال المرصودة ستكون في عهدة وزير الخزانة الذي لا يخضع للمساءلة حين يقرر الصرف “.. باستطاعته تقديم 100 مليار دولار لشركة أو مؤسسة معينة” دون مراجعة أحد أو تقديم سجل مفصل بذلك. كذلك باستطاعته، حسبما أوضحت بورتر، استثناء بعض المؤسسات التي هي بحاجة ماسة للأموال لدفع رواتب موظفيها.
الأستاذ الجامعي ووزير العمل الأسبق، روبرت رايش، انتقد اقرانه في الحزب الديموقراطي بشدة لرضوخهم لشروط الرئيس ترامب لا سيما وأن الاتفاق المعقود بين الطرفين “يستثني كبريات الشركات من أي قيود ويوفر استثناءات لصغارها” للتوافق مع شرط المحافظة على الموظفين وعدم القائهم في سوق البحث عن العمل مرة أخرى.
من بين المؤسسات الكبرى المستفيدة من “المساعدة” الحكومية شركات الأدوية التي تتلقى سنوياً إعفاءات ضريبية بمليارات الدولارات. الخبراء الاقتصاديون يتوقعون ارتفاع كلفة التغطية الصحية للأفراد والعائلات بنسبة 40% العام المقبل، تذهب لمراكمة معدلات أرباحها السنوية. (يومية نيويورك تايمز 28 آذار الجاري).
يشار إلى أن حجم الأرباح الصافية لعام 2019 لتلك الشركات بلغت نحو 38 مليار دولار، دون احتساب ما حققته من إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى.
عدد لا بأس به من المسؤولين السابقين في حقل الرعاية الصحية والكفاءات العلمية المختلفة تعرب باستمرار عن خيبة أملها في سوء إدارة الأزمة من قبل الحكومة الأميركية بكافة مستوياتها؛ لا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار أن وزير الصحة الحالي، أليكس آزار (عازار)، تسلم مهام منصبه بعدما استقال من منصبه كرئيس لإحدى كبريات شركات الأدوية Eli Lilly.
رئيس مكتب موظفي نائب الرئيس السابق جو بايدن، رون كلين، توجه بانتقادات لاذعة للحكومة الأميركية قائلاً “طريقة تعامل الولايات المتحدة (مع الفايروس) ستدرس لعدة أجيال مقبلة كنموذج لفشل كارثي .. ما جرى في واشنطن (الرسمية) ما هو سوى فشل ذريع بمعدلات غير مسبوقة.”
مع ارتفاع وتيرة الانتقادات في المجتمع الأميركي للثغرات البنيوية تذهب بعض النخب السياسية والفكرية إلى مراجعة دروس التاريخ في “نهوض وسقوط الامبراطوريات.” آليات تعامل الدول لمكافحة الأوبئة والحيلولة دون تفشيها تشكل اختباراً حقيقياً لفعالية ونجاعة النظم السياسية والاجتماعية على السواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق