1-موسى النبي
الجزء الثالث- (الخروج التوراتي من مصر)
اعتبرت نصوص العهد القديم أن الخروج اليهودي من مصر بقيادة النبي موسى كان عملاً ملحمياً خارقاً اشترك فيه الرب يهوه كقائد روحي ومخلص لبني إسرائيل من ثوب العبودية والذل الذي لبسوه عقوداً من الزمن، وقد أولت التوراة حدث الخروج الاهتمام الأعظم، حيث جاءت أخباره بسفر خاص به مفصل بأربعين إصحاحاً يبين الأسباب الدينية لخروج بني إسرائيل من مصر وطريقة الخروج منها وأحوال الشعب الإسرائيلي في تلك الحقبة من الزمن .
فقد اعتبر خروج بني إسرائيل من مصر أمرا ًإلهياً محضاً لتنفيذ وثيقة العهد التي أبرمها الرب يهوه مع إبراهيم في منحه أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً «ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لإبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإله الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ. وَأَيْضًا أَقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي: أَنْ أُعْطِيَهُمْ أرض كَنْعَانَ أرض غُرْبَتِهِمِ الَّتِي تَغَرَّبُوا فِيهَا. وَأَنَا أَيْضًا قَدْ سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إسرائيل الَّذِينَ يَسْتَعْبِدُهُمُ الْمِصْرِيُّونَ وَتَذَكَّرْتُ عَهْدِي. لِذلِكَ قُلْ لِبَنِي إسرائيل: أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ وَأُنْقِذُكُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ وَأُخَلِّصُكُمْ بِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ وَبِأحكام عَظِيمَةٍ وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْبًا وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي يُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ. وَأُدْخِلُكُمْ إلى الأرض الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي أَنْ أُعْطِيَهَا لإبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأُعْطِيَكُمْ إِيَّاهَا مِيرَاثًا. أَنَا الرَّبُّ».
فبعد أن ظهر الرب يهوه لموسى في طور سيناء في مدين، أمره أن يذهب إلى فرعون مصر ليخرج شعب الرب - بني إسرائيل - من مصر إلى أرض الكنعانيين التي تفيض لبناً وعسلاً، فأخذ موسى زوجته وأولاده وعصاه التي أمر الرب بها وركبوا الحمير ومضوا إلى أرض مصر، بالوقت نفسه أمر الرب هارون أخا موسى الذي يكبره بثلاث سنوات أن يرافقه في رحلته هذه إلى فرعون ليكون له لساناً نصيراً، ولما وصلا دخلا إلى فرعون وقالا له بحوار هادئ: إن الرب إله إسرائيل يطلب إليك إطلاق شعب إسرائيل من مصر وتحريره، إلا أن فرعون أبدى رفضه لهذا الطلب، بل واعتبر أن موسى وهارون يعطلان الشعب عن عمله وأعطى أوامره بإيقاف منح بني إسرائيل التبن الذي تأكله البهائم لصنع اللبن الذي يقتاتون عليه، فضاقت الأحوال ببني إسرائيل، ورجع موسى إلى ربه معترضاً بالقول: «يَا سَيِّدُ لِمَاذَا أَسَأْتَ إلى هذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إلى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ أَسَاءَ إلى هذَا الشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ».
ويعود الرب ليكرر أن اسمه يهوه وهو الوحيد القادر على تحرير شعبه وإعطائهم أرض كنعان، فعاد موسى إلى شعبه ليثبت لهم صدق الوعد الذي اقتطعه الرب يهوه في إخراجهم من عبوديتهم وتحريرهم من الذل الذي يتلبسهم، إلا أنهم أداروا ظهورهم ولم يسمعوا له، وتنتهي السجالات بين موسى والرب من جهة، وموسى وأبناء قومه من جهة أخرى، ليقرر الرب يهوه استعراض قوته وإظهار عظمته التي لم يقم فرعون لها وزناً، وتبدأ مرحلة المعجزات التي تبدأ بالعصا اليهوهية لتنتهي بنزول الرب يهوه إلى أرض مصر والضرب بيده بيوت المصريين وتدميرها .
ويمكنني أن أسلسل الأعمال الخارقة التي قام بها موسى وهارون بأمر من الرب على أرض مصر تهديداً لفرعون لإطلاق وتحرير بني إسرائيل الذي لم يكد الرب يهوه يرفع عنه ما يصيبه جراء الكوارث التي كان يرسلها عليه وعلى مصر حتى يعود لجحوده ورفضه إطلاق بني إسرائيل .. وفيما يلي الابتلاءات والكوارث التي حلت بمصر الفرعونية جراء ذلك :
- ضرب موسى عصاه أمام سحرة فرعون وحكمائه فصارت ثعباناً كبيراً، وضرب السحرة عصيهم فصارت ثعابين التهمها ثعبان موسى.
- ضرب موسى عصاه في الماء فتحول الماء إلى دم فمات السمك وأنتن النهر وصارت كل مصر دماً لمدة سبعة أيام.
- ضرب موسى بعصاه الأنهار والسواقي ففاضت بالضفادع وأصبحت في كل مكان من البلاد .
- ضرب هارون الأرض بعصاه فصار تراب الأرض بعوضاً في جميع أرض مصر، وأصبح البعوض على الناس والبهائم.
- أرسل الرب على مصر الدبان حتى خربها، إلا أرض جاسان التي كان يسكنها بنو إسرائيل .
- أمات الرب جميع مواشي المصريين إلا مواشي بني إسرائيل.
- قام موسى وهارون بأمر من الرب بذر الرماد في السماء ليصير غباراً على أرض إسرائيل ودمامل على البهائم والناس.
- أمطر الرب يهوه على فرعون مصر والمصريين برداً وناراً في وقت واحد، إلا جاسان لم يمطرها بالبرد والنار، لأن بني إسرائيل يسكنونها، فكسر البرد جميع الشجر وأكل عشب الحقول.
- أرسل الرب يهوه جراداً، فأكل عشب الأرض وكل ما تركه البرد، وحمت الريح الشرقية الجراد فامتلأت به أرض مصر وحل في كل مكان وأكل الأخضر واليابس.
-طلب الرب من موسى أن يمد يده نحو السماء ليعم الظلام على أرض مصر ثلاثة أيام، حيث لم يعد المرء يبصر شيئاً إلى درجة ألا يبصر المرء أخاه _ كما يقول النص – إلا بني إسرائيل الذين كانون يتمتعون بالنور في منازلهم .
وكانت الضربة قبل الأخيرة لفرعون مصر هي أن نزل الرب يهوه إلى أرض مصر وأمات كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم، وأوصى الرب شعبه أن يضعوا علامة على البيوت التي يسكنون بها كي يعرفهم ويمر عنهم كي لا يصيبهم الضرر بطريق الخطأ، وكان الصراخ عظيماً في مصر لأنه لم يخل بيت من بكر ميت، ثم أمرهم موسى أخيراً بالخروج، فحمل بنو إسرائيل عجينهم قبل أن يختمر، كما أمرهم، ومعاجنهم مصرورة على أكتافهم، وقاموا بسلب الأمتعة الفضية والذهبية والثياب التي استعاروها من المصريين، وخرجوا فارين ليلاً من رعمسيس إلى سكوت، ومشى الرب أمامهم يبين لهم الطريق ولم يسر الرب بهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنه قريب، لأن الرب قال في نفسه: لعل شعب بني إسرائيل يندم إذا رأى حرباً فيرجعوا إلى مصر، لذلك أدار الله شعبه في طريق برية بحر وسوف ، ولما علم فرعون بخروج بني إسرائيل وفرارهم ليلاً بعد سلب المصريين أمتعتهم سيرَّ ستمائة مركبة وعدداً كبيراً من الجنود ولحق بموسى وقومه، وهنا المعجزة الأخيرة لموسى الذي مد يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة، وانشق الماء فدخل بنو إسرائيل وسط البحر على اليابسة، ثم دخل المصريون بمركباتهم وجنودهم وفرسانهم إلى وسط البحر، وفي الصباح نزل الرب على عسكر المصريين وخلع بكر مركباتهم، فقال المصريون «نَهْرُبُ مِنْ إسرائيل لأَنَّ الرَّبَّ يُقَاتِلُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُمْ» ثم مد موسى يده فرجع الماء على المصريين وعلى مركباتهم وفرسانهم فغرقوا جميعاً ولم يبق منهم أحد، وكان عدد بني إسرائيل الخارجين من مصر بحدود ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد ومعهم أعداد وفيرة من الغنم والبقر والمواشي، وكانت مدة إقامتهم في مصر أربعمائة وثلاثين عاماً.
يتبع........
-------------------------------
عن كتاب: العهد القديم وأسفار السيّد الرب. حسام ديوب.




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق