اسمي شامة مشتالي، فنانة مغربية في الـ 26 من عمري.
عشت في الدار البيضاء، درست علاقات دولية في بوسطن، وأقيم الآن في دبي. مشغولة بموضوع أزمة الهوية خاصة بعد اكتشافي تاريخ المغرب الأمازيغي، وبموضوع العدالة الاجتماعية وقضايا تخص المرأة. أقمت عدة معارض في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والدار البيضاء.
عزيزتي فريدا،
قد تستغربين أن أكتب اليك هذه السطور وقد مضى 65 عاما على رحيلك عن عالمنا، لكنكِ دوما في الذاكرة ولعلك تُبعثين كل عام في احتفال يوم الموتى في المكسيك (Día de Muertos) وإن صحّ ذلك فكلي أمل أن تصل رسالتي هذه إلى أناملك المبدعة.
اسمحي لي سيدتي أن أعبر لك ما عنته لي تلك الأنامل كفنانة ناشئة وكامرأة من أصول أمازيغية. فقد ألهمتني حين كنت في أمس الحاجة إلى إلهام في محيط بالغ الذكورية لا يعترف بإبداع النساء، لا بل لا يعترف بوجودهن أحيانا ولا يفسح لهن مجالا للتعبير أو الحضور.
فما زلت أذكر بوضوح وأنا ابنة الرابعة عشر مشاركتي في ماراثون في الدار البيضاء بمناسبة يوم المرأة العالمي حين تضجّر رجل على دراجة نارية من الانتظار لدقيقة كي تمر المتسابقات فانطلق بدراجته غير آبهٍ بمن دهس منهن قبل أن يمسكن بتلابيبه ويطرحنه أرضاً ومعه نظرته الدونية للمرأة. وأذكر أيضا تلك النظرة قبل ذلك بعدة سنوات على وجوه الصبية الذين كانوا يستهزؤون من الأصوات الأنثوية لمجموعتنا المسرحية ونحن نؤدي عرضا فلسفيا وشاءت سخرية القدر أن اضطلع بدور "صوت الحرية".
كما ألهمتني أناملك أن أدافع عن حقوق المرأة دون التنازل عن أنوثتي، وأن أدرك أن النهوض بحقوق المرأة لا ينحصر في حلبة السياسة بل لا بد أن يمتد إلى حقول الثقافة والفنون. كنت أستحضر رسومك المبرزة لألم المرأة وقوتها في كل مرة رسمت امرأة قوية المراس مثل كاهنة أمازيغية قادت شعبها في الدفاع عن أرضها. وفي كل مرة تحدثت عنَ رسوماتي مع طلبة المدارس في المغرب كنت أنتهز الفرصة لأسرد عليهم التاريخ المهمّش لتلك النسوة وكنت أرى في عيون الإناث عطشاً لبطلات يقتدين بهن وكنت أرى في عيون الذكور عجباً لسماع قصة بطلتها امرأة.
ولم يكن ذاك الإلهام هديتك الوحيدة بل ألهمت أيضا تلك النظرة الأبية المتحدية التي تعلو وجه كل امرأة أمازيغية رسمتها والتي لا تتحدى الناظر فحسب ولكن تتحدى كل نظرة مكسورة خانعة رسمها الرجال على وجوهنا سواء من ذوي أوطاننا أو من المستشرقين والمستعمرين مثل يوجين دولاكوا أو جون جوزيف كونستان وأدريان تانو وغيرهم. أي زائر لكبريات المتاحف لا بد أن تقع عيناه على لوحة من لوحات هؤلاء الذين طالما صوّروا المرأة (سواء في رسوماتهم أو صورهم الفوتوغرافية وحتى في كتاباتهم) بلا روح ولا محتوى مختزلين دورها المجتمعي في إشباع خيالهم الجنسي، متجاهلين الإرث التاريخي والتميز الثقافي لنساء منطقتنا اللاتي ناضلن وحاربن ووقفن في الصفوف الأمامية أمام كل أنواع الاستعمار.
وكما عبرت في لوحاتك عن رفضك للاستعمار والإمبريالية في صورتها العسكرية والرأسمالية وما يصاحبها من قهر للشعوب والحضارات القديمة، فقد حرك اكتشافي لأصولي الأمازيغية وأنا في المرحلة المتوسطة شغفا بكل الشعوب المضطهدة أو الأقليات المقموعة وكل من يخضع لأنماط مختلفة من التهميش. وفي غياب أي هامش رحب للتعبير عن الرأي لجأت للفن حيث للريشة هامش أوسع للتعبير من القلم والصوت في العالم الناطق بالعربية. ورغم ذلك فسرعان ما قوبل حماسي لاكتشاف تلك الأصول التي ينحدر منها معظم سكان شمال إفريقيا بمقاومة حادة ممن ينظرون بعين تخوينية لكل من لا يحمل نظرتهم الأحادية للتاريخ. فقد تلقيت العديد من الرسائل الالكترونية التي تتهمني بالخيانة والانفصالية لمجرد حديثي عن التعددية الثقافية وعن تاريخ الحضارة الأمازيغية.
ولعل أكثر ما حزّ في نفسي أن بعض أساتذتي في المدرسة أخذتهم العصبية لما يرونه "عروبة بلا شوائب" بغض النظر عن التاريخ وثأروا لذلك النقاء عبر درجاتي في الامتحانات. لكن كل ذلك لم يثبط من عزيمتي وإصراري على تحويل لوحاتي إلى منبر تشكيلي للمهمشين.
وفي لوحتي التي أسميتها "فريدة بنت تزنيت" رسمتك فيها بنظرة تجمع الجمال والاعتزاز والتحدي وأبدلت حلتكِ "التيخوانا" المكسيكية التقليدية بحلة أمازيغية من مدينة تزنيت في جنوب المغرب وأبدلت حليتك المستوحاة من الحضارات اللاتينية بحلية تزرزيرت وقلادات الخمسة والمرجان. كما زينت وجهك بنقوشنا الأزلية التي تحاور حروف لغة التيفيناغ التي نشرتها خلفك. ومع بعد المسافة بين الجغرافيتين فقد رأيت تقارب كل حضاراتنا القديمة في العادات والرموز والألوان وكنت على يقين أنك تقفين معي لأنتصر لحضارة أخرى مهمشة كان ولا يزال لا بد من رد اعتبارها.
فلك فنانتي كل الشكر والامتنان.
شامة مشتالي
الخميس 19 تموز/يوليو 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق