1. مقدمة
يُعرّف مجلس الإستقرار المالي (Financial Stability Board) صيرفة الظل بأنها مجموعة أعمال الوساطة الإئتمانية التي تضطلع بها المؤسسات والأنشطة بشكل كلي أو جزئي خارج إطار النظام المصرفي التقليدي المنظّم، وتتضمن جميع القنوات والأدوات والهيكلية الإستثمارية التي تجري خارج قنوات المصارف الخاضعة للرقابة.
ثمّة عوامل رئيسية تعزّز الأنشطة غير المصرفية وتساهم في نمو صيرفة الظل وانتشارها، ومن بينها التشدّد المستمر في الرقابة المصرفية الدولية بُعَيد الأزمة المالية العالمية خصوصاً من حيث متطلبات رأس المال والإحتياطيات القانونية وإدارة السيولة.
ويُقاس نظام الظل المصرفي على نطاق واسع بمجموع الأصول المالية التي يملكها مجموعة من الوسطاء الماليين غير المصرفيين (باستثناء شركات التأمين وصناديق التقاعد والمؤسسات المالية العامة) الذين يقدمون خدمات مماثلة للبنوك التجارية التقليدية تشمل المحافظ الوقائية، محافظ أسواق المال، أدوات الإستثمار المهيكل، محافظ الإستثمار الائتمانية، تبادل الأموال المتداولة، محافظ الإئتمان الوقائية، محافظ الأسهم الخاصة، مقدمي التأمين على الإئتمان، والتوريق أو التسنيد.
ضمن هذا الإطار، وضع مجلس الإستقرار المالي مقياس على نطاق أضيق (narrow measure of shadow banking) يعكس حجم قطاع صيرفة الظل بدقة أكبر، حيث يركّز على مجموعة فرعية من الوساطة الائتمانية غير المصرفية التي قد تشكل مخاطر نظامية على النظام المالي وبالتالي تهدد الإستقرار المالي.
نستعرض في ما يلي أبرز النتائج التي توصّل إليها تقرير مراقبة صيرفة الظل العالمية لعام 2017 الصادر عن مجلس الإستقرار المالي خلال شهر آذار/مارس 2018، والذي يغطّي 29 دولة، تمثّل نحو 80% من إجمالي الناتج المحلي العالمي و90% من أصول النظام المالي العالمي.
2. التطورات العالمية في نظام الظل المصرفي
تستمر أصول نظام الظل المصرفي في الإرتفاع ، مدفوعة بالمستثمرين الذين يسعون إلى عوائد أعلى في عالم منخفض الفائدة، والشركات والحكومات المحلية اليائسة للحصول على قروض. وبحسب مجلس الإستقرار المالي، سجلت أصول صيرفة الظل التي تشكل خطراً على النظام المالي (أي المقياس الضيّق لحجم صيرفة الظل) نمواً بنسبة 7.6% لتصل إلى 45.2 تريليون دولار بنهاية العام 2016. وشكّلت أصول نظام الظل المصرفي نحو 28% من الوساطة المالية غير المصرفية (Monitoring Universe of Non-bank Financial Intermediation) التي بلغت 160 ترليون دولار عام 2016، والتي تشمل شركات التأمين وصناديق التقاعد وغيرها من الوسطاء الماليين.
وعلى الصعيد العالمي، شكّلت أصول نظام الظل المصرفي 13.4% من مجموع الأصول المالية عام 2016 مقابل 12.1% عام 2011. كما شكلت حوالي 73% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الـ29 التي يشملها التقرير مقابل 62% عام 2011.
ونجد أكبر أنظمة الظل المصرفي في الدول المتقدّمة، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية حيث بلغ حجم أصول نظام الظل المصرفي 14.1 تريليون دولار عام 2016 (ما يوازي نحو 84% من إجمالي الأصول المصرفية). كما بلغ حجم أصول صيرفة الظل في الدول الأوروبية الثمانية المذكورة في التقرير – بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، إيطايا،
لوكسمبورغ، هولندا، أسبانيا، والمملكة المتحدة نحو 10.1 تريليون دولار، تليها الصين (7.0 ترليون دولار)، وجزر كايمان (4.7 ترليون دولار)، واليابان (2.8 ترليون دولار). وتمثّل هذه المناطق مجتمعةً نسبة 85% من أصول نظام الظل المصرفي العالمي في عام 2016. وبشكل خاص، برزت في هذه الأسواق المتقدّمة عدّة أنواع من الصناديق التي تقدم ائتمانًا طويل الأمد إلى القطاع الخاص، في ظلّ تراجع التسليف من المصارف التقليدية بعد الأزمة المالية العالمية. وعلى عكس الولايات المتحدة، تُعتبر البنوك التقليدية الصينية محركاً كبيراً لصيرفة الظل، وغالباً ما تكون وسيلة لتجنّب الضوابط التنظيمية على الإقراض.
وفي الأسواق الناشئة، يساهم نظام الظل المصرفي في تعزيز الشمول المالي عبر توسيع نطاق الوصول إلى الائتمان من قبل الفئات التي لا تستفيد من الخدمات المصرفية، والمستهلكين ذوي المخاطر العالية، والمؤسسات المتدنية التصنيف، ذلك لأن المصارف التقليدية غالباً ما تواجه قيوداً تنظيمية، مثل القيود على التسليف أو أسعار الفائدة على الودائع. وفي حين أن الأسواق الناشئة لا تزال تمثّل حصة صغيرة من أصول نظام الظل المصرفي العالمي، ينبغي مراقبة التوسّع السريع للوساطة غير المصرفية في هذه البلدان عن كثب من أجل ضمان استمرارية مساهمة القطاع غير المصرفي في زيادة الإدماج المالي وتوسيع نطاق الوصول إلى الائتمان من دون زيادة المخاطر النظامية التي تهدد الإستقرار المالي.
3. مخاطر نظام الظل المصرفي وتحديات الرقابة
يلعب قطاع الظل المصرفي دوراً مهماً كمكمّل للقطاع المصرفي التقليدي، من خلال توسيع نطاق الوصول إلى الائتمان وبالتالي المساهمة بتمويل الأنشطة الاقتصادية وتعزيز الشمول المالي. وبالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تعزّز مصارف الظل كفاءة القطاع المالي، فهي تتيح مشاركة المخاطر وتحويل آجال الإستحقاق، وتسمح بتوزيع المخاطر والعوائد بشكل يلائم المستثمرين، وبدعم السيولة في الأسواق.
من جهة أخرى، لا تخضع مصارف الظل للإشراف والرقابة التي تخضع لها المصارف التقليدية، وهي لا تستطيع الإقتراض من المصرف المركزي في الحالات الطارئة، وليس لها جهات إيداع تقليدية تكون أموالها مغطّاة من التأمين. وبالتالي، وبسبب غياب شبكة أمان رسمية، قد يتحوّل قطاع الظل المصرفي إلى مصدر للمخاطر النظامية التي قد تعرّض إستقرار النظام المالي بأكمله للخطر، في ظلّ غياب القوانين والرقابة الكافية. وقد كشفت الأزمة المالية العالمية أن نظام الظل المصرفي يفتقر إلى آليات ونُظم الإفصاح عن قيم الأصول، كما تشوبه هيكليات حوكمة وملكية غير شفّافة، وتنظيمات وآليات رقابة ضئيلة، إضافة إلى عدم وجود رأسمال كافٍ لاستيعاب الخسائر أو الإيفاء بالإستحقاقات النقدية، فضلًا عن غياب الدعم النظامي الذي يؤمّن الوصول إلى السيولة للوقاية من حالات البيع بأسعار محروقة نتيجة الإفلاس (المصدر: صندوق النقد الدولي).
وتُعدّ هذه السوق المالية المتنامية التي تخلقها مؤسسات صيرفة الظل مكاناً آمناً لإجراء عمليات تبييض الأموال والتهرّب الضريبي وغيرها من العمليات المالية الغير مشروعة، خاصة وأن العمليات المالية التي تقوم بها مؤسسات الظل، تموّل من أموال ذاتية غير داخلة في الحسابات المصرفية، وبالتالي غير مراقبة من المصارف المركزية. وخطورة تلك المؤسسات لا يُنظر إليها بحسب حجم المؤسسة، لأن أصغر مؤسسة يمكن أن تؤثر على الإقتصاد وعلى القطاع المصرفي، ويعزز هذا التأثير، غموض بياناتها المالية وعدم عرض موازناتها.
قد تهدد المؤسسات المالية غير مصرفية الإستقرار المالي بأكمله، حيث لا تقتصر المخاطر على المؤسسات المعنية، فقد تتزايد معدلات الرافعة المالية وتزداد الفجوة بين الإستحقاقات بطريقة قد تؤدي إلى تداعيات متعددة على النظام المصرفي كله. وكما هو الحال بالنسبة إلى المصارف، فإن إرتفاع معدلات الإستدانة أو الإعتماد على الرافعة المالية لهذه المؤسسات، وازدياد الفجوة بين استحقاقات الخصوم واستحقاقات الأصول لديها، من شأنه أن يقود إلى تعثر أو إفلاس هذه المؤسسات المالية غير المصرفية وأن يحرّك مخاطر العدوى في الأسواق المالية ويضخّم بالتالي المخاطر النظامية العامة.
لذلك، من الضروري أن تخضع صيرفة الظل للرقابة والإشراف وللتشريعات والأنظمة التي تساعد على ضبط المخاطر التي قد تنشأ عن هذه الأنشطة.

|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق