الفيلم الجيد حصيلة المعرفة، لا بالحياة والعالم الذي نصوره فقط، بل بالتقنيات التي تعالج بها الأفكار لكي تصبح أقوى تعبيراً.
كل فنان يعكس في نتاجه الفني الحياة الواقعية
الإلمام بمهارات وتقنيات الإخراج السينمائي يمكن أن يشحذ التجربة السينمائية والتليفزيونية ويزيد من روعتها
أي فن على الإطلاق يعتبر إعادة خلق الحياة في الدرجة الأولى، ويؤثر فيها بالدرجة الثانية
القاهرة ـ من حازم خالد
يعد فن السينما والتليفزيون واحدا من أهم الفنون التي تؤثر في حياة الإنسان المعاصر، وهو فن له أصوله التي يجب أن يدركها المخرج، كي يصبح عمله أكثر متعة وإتقانًا ليتناسب مع تزايد أهمية الدور الذي يقدمه.
ويأتي كتاب "حرفيات الإخراج السينمائي" للكاتب والمخرج علي بدرخان، لتقديم دليل أو مرشد عملي لفنون الإخراج السينمائي، من واقع تجربته السينمائية الكبيرة. يقول بدرخان "بعد الاطلاع على العديد من الكتب والمراجع، ومن واقع التجربة العملية، إضافة إلى المشاهدة وتحليل الكثير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية، آملاً أن يساهم في تنمية مهارات دارسي الإخراج بشكل واعٍ متبصر وبأسلوب يبتعد عن التعقيد وفي ذات الوقت يمكن تطبيقه لمن لا يوجد لديه معرفة سابقة بالفنون السينمائية. وقد حاولت التركيز على المعلومات الضرورية فقط، وتقديمها بطريقة واضحة ومباشرة حتى تعين القارئ على فهم المعاني بسرعة، فهو مرشد يعين القارئ على اكتشاف الجوانب المعقدة للفن السينمائي والتليفزيوني وفهمها".
لقد تم إعداد هذا الكتاب كدليل عملي يستعان به علی تيسير معرفة حرفية فن الإخراج وتضمن إتقانها، حيث يضع أسس فن وقواعد كتابة السيناريو لمن يريد أن يصبح مخرجاً سينمائياً، كما قد يستفيد منه من يمارس الإخراج السينمائي فقد يجد فيه أسلوباً عملياً سهلاً لتنفيذ الفيلم الذي يقوم بإخراجه، إن الإلمام بمهارات وتقنيات الإخراج السينمائي يمكن أن يشحذ التجربة السينمائية والتليفزيونية ويزيد من روعتها.
السينما فن ولغة
كل أشكال اللغة السينمائية مباحة وجائزة فنياً، فيما عدا استخدام هذه الوسيلة لمجرد التلاعب الأجوف بالأشكال، يجب أن تظل آلة التصوير السينمائي مجرد أداة للتسجيل، كما هو حال القلم بالنسبة للكاتب
لكن ما هي السينما؟ للسينما تعاريف شتى منها: السينما كلمة إغريقية معناها "الحركة"، السينما مرآة الحياة. وعرفها البعض أنها آلة تسجل الصور والأصوات وتعرضها ثانية. ويرى آخرون أن السينما لغة وأنها فن من الفنون وهي فن جماعي. وهكذا اختلفت التعاريف باختلاف واضعيها. والتعريف لا يهم بما أن السينما موجودة ومستعملة، ولها أهمية تجارية وفنية في العالم أجمع.
السينما لا يقتصر مجهودها على سرد القصص والروايات، بل لها مكانة عظيمة في ميدان العلوم والفنون، لأن القيمة التعليمية في الصورة أقوى منها في الكتاب والقراءة، فبواسطة السينما عرفنا كيف تعيش الحشرات والحيوانات المفترسة في الأدغال والأسماك في أعماق البحار، وأخذنا فكرة صحيحة عن حياة الميكروبات والتفاعلات الكيمائية، وجمال العناصر المتبلورة.. إلخ.
وبواسطة البطء والسرعة في التصوير حللت السينما حركة الطائر في تحليقه، والحصان في عدوه والرياضي في حركاته، وركبت لنا في لحظات نمو الزهور الذي يحتاج إلى شهور. وباختصار وصفت لنا أسرار الحياة بدقة تعجز عنها الكلمات مع احتفاظها بكل ما في الحياة من جمال وشاعرية.
يقول المخرج أحمد بدرخان في کتابه "السينما" الذي صدر عام1936: أي فن على الإطلاق يعتبر إعادة خلق الحياة في الدرجة الأولى، ويؤثر فيها بالدرجة الثانية، وكل فن يعيد خلق الحياة عن طريق أدواته المختلفة والخاصة به في التعبير والبلاغة. الكاتب مثلاً، يعيد خلق الحياة عن طريق الكلمات، والرسام في لوحاته عن طريق الألوان والخطوط، والنحات في تماثيله، عن طريق الطين والجبس والرخام .. إلخ .
وكل فنان يعكس في نتاجه الفني الحياة الواقعية، بتجسيده لحقيقة أو حدث ما، ويسعى في الوقت ذاته للتعبير عن موقفة من هذه الحياة، أي للتعبير عن الأحاسيس والأفكار التي أثارتها تلك الحقيقة، أو ذلك الحدث في نفسه، إنه يسعى لينقل للآخرين تلك الأحاسيس والأفكار. يريد لهؤلاء الناس أن يعيشوا الإحساس والحدث الذي عاشه، أن يفهموا هذه الظاهرة الحياتية كما فهمها.
وبهذه الطريقة يستطيع المبدع من خلال العمل الفني التأثير بشكل أو بآخر على إدراك الناس، وهذه التأثيرات تنعكس بمستويات مختلفة على حياة هؤلاء البشر، وبالتالي فإن الفن لا يعني إعادة خلق وتشكيل الحياة فحسب، وإنما هو أداة للتأثير فيها.
إن العمل الفني يعتبر نتاج الجهد الإبداعي "الرواية، اللوحة الفنية، المؤلفات الموسيقية، العرض المسرحي، العرض السينمائي.. إلخ".
قواعد اللغة السينمائية
كيف تكون مخرجاً سينمائياً؟ يجيب المؤلف: هذا سؤال يصعب الجواب عليه حتى من كبار المخرجين أنفسهم؛ لأن الإخراج السينمائي ليس له نظريات ثابتة، بل كل مخرج له ذوقه وطريقته الخاصة، ولو أن هذا المخرج نفسه يتعذر عليه معرفة ذوقه الشخصي وطريقته الخاصة، وإلا لأمكنه أن يدرسها لسواه .
إن الطريقة المثلى لتعلم الإخراج بعد دراسة قواعد اللغة السينمائية هي أن يعمل الطالب مع عدد من المخرجين كمساعد لهم، والطالب سيصادف مخرجين من أمزجة مختلفة. هناك من تجده يخضع لآراء كثيرة لمن حوله من المصور ومدير التصوير، وهناك المخرج الذي يترك حرية زائدة للممثلين دون أن يتحكم في حركاتهم، أو طريقة إلقائهم، وهناك المخرج الذي يشرح الفيلم موقفاً موقفاً ويوصي الممثلين أن يقوموا بأدوارهم دون تصنع ويصحح لهم أغلاطهم، وهناك المخرج العصبي الذي يثور لأقل هفوة يرتكبها ممثل أو أي من الفنيين، وهناك المخرج الرزين الهادي الذي يدرك أن تنفيذ العمل الفني يحتاج لصفاء المزاج وأن تسود روح الوئام بين جميع العاملين، وهذا لصالح العمل ونجاحه، وهناك مخرج يمتاز بأفكار وأسلوب خاص وتجد أفكاره وعواطفه في كل أفلامه.
واقع تم إعداده بعناية
وهناك المخرج التجاري الذي يخرج أي قصة تعرض عليه ولو أنه لا يعجب بها ولا تؤثر في نفسه، وهذا لا يصلح مطلقاً أن يسمى مخرجاً، بل منفذ أفلام. الطالب سيجد أمامه مجموعة متنوعة من طباع وعادات وأذواق وأساليب وطرق للمخرجين وعليه أن يتبع منها ما يوافقه ويلائمه.
ويرى بدرخان أن هناك عدة أنماط من المخرجين، فهناك المخرج الذي يريد أن يكسب حب الجمهور، عليه أن يكون فاتناً وظريفاً وهو يحكي لنا قصة فيلمه، إن مخرجي الأفلام الكوميدية يبحثون عن اكتساب حب جمهور المشاه. وهناك مخرجون يسعون إلى حب الجمهور واحترامه، وهناك مخرج يريد إثارة إعجابنا وتقديرنا فتجده يبحث عن أكثر الطرق تركيباً وتحدياً لكي يروي لنا قصة فيلمه. وهناك مخرج آخر ينجذب إلى التحدي الكامن في المشروع نفسه بقدر ما فيه من تحديات، وبشكل عام إن المخرج يجب أن تكون لديه شخصية واعية ومجموعة خلاقة من الأهداف عندما يقرر إخراج قصة ما.
حرفة قابلة للتغيير
من المسلم به أن السينما وليدة التقدم العلمي الذي أحرزه الإنسان في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين، واعتمد الفن السينمائي أساساً على الحركة وإعادتها مرة أخرى، بناء على ذلك فالدافع لهذا الفن موجود منذ فجر التاريخ عندما حاول الإنسان تمثيل الحركة في صور أو تماثيل.
الفنان السينمائي المبدع له مفهومه الشخصي الفريد للفكرة التي حركت رغبته لكي يستخدم السينما كوسيلة له في الاتصال بالغير، ما يهم صانع الفيلم في المقام الأول هو القدرة على تناول الأفكار والمفاهيم وتجسيدها. ومجرد تجسيد هذه الأفكار على شرائط من الفيلم تحوي أجزاء من واقع مصور. إنه واقع تم إعداده بعناية، وتم التدريب عليه أمام آلة التصوير السينمائي، وتسجيله على شرائط الفيلم .
قواعد اللغة السينمائية موجودة على الشاشة منذ فترة طويلة، ويستخدمها صانعو الأفلام على الرغم من اختلاف موقعهم الجغرافي واختلاف أساليبهم، إنهم يستخدمون هذه المجموعة من القواعد ليحلوا بها مشاكل معينة تبرز من خلال السرد المرئي لأية قصة.
إننا نتعامل مع حرفة قابلة للتغيير والتطور دائماً، رغم أن قواعدها المستقاة من أعمال السينمائيين الأوائل وخبرات من تلوهم برهنت على ثباتها لمدة طويلة. إن العديد من صانعي الأفلام تعلموا حرفتهم من فحص الأفلام القديمة ودراستها، كل أشكال اللغة السينمائية مباحة وجائزة فنياً، فيما عدا استخدام هذه الوسيلة لمجرد التلاعب الأجوف بالأشكال، يجب أن تظل آلة التصوير السينمائي مجرد أداة للتسجيل، كما هو حال القلم بالنسبة للكاتب.
إن الفيلم الجيد ليس نتيجة الارتجال، بل هو حصيلة المعرفة، لا بالحياة والعالم الذي نصوره فقط، بل بالتقنيات التي تعالج بها الأفكار لكي تصبح أقوى تعبيراً.
يذكر أن كتاب "حرفيات الإخراج السينمائي" لمؤلفه علي بدرخان، صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة .(وكالة الصحافة العربية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق