ما بين ليليث و حواء - اليهود لصوص التاريخ

ما بين ليليث و حواء

شخصية ليليث ذات فتنة لا تقاوم و إغراء فاق التصور حيث يعجز البشري عن مقاومته فيقع في فخ المحظور. تائهة في البرية، تغوي كل من رآها، تنشر الشرور و العواصف و تقتل الأطفال و تحمل المرض و الموت. ليليث شخصية تعبر عن الشر و الفوضى - و هي خطر على النساء الحوامل و الرضع

هذا هو تصور ليليث المتعارف عليه

أول ما ظهرت ليليث كان في الأساطير البابلية - ثم اتقلت بعد ذلك إلى المصريين و الإغريق. و بعد ذلك انتقلت إلى اليهودية و إلى التراث الإسلامي

١- في ملحمة جلجاميش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاجم جلجاميش ليليث عندما أرادت أن تؤذي إنانا إلهة الحب و طردها إلى الصحراء

٢- في التوراة
ــــــــــــــــــــــــ
سفر أشعيا ٣٤ عدد ١٤ - الذي يتحدث عن خراب أدوم - نجد في بعض الترجمات
And desert creatures will meet with hyenas, and goat-demons will call out to each other. There also Liliths will settle, and find for themselves a resting place

و في البعض الآخر يستبدل كلمة ليليث بوحوش الليل أو البومة التي تصرخ ليلا - و كلها من أوصاف ليليث في الأساطير القديمة

الترجمة العربية لهذا المقطع

وتلاقي وحوش القفر بنات آوى، ومعز الوحش يدعو صاحبه. هناك يستقر الليل ويجد لنفسه محلا

٣- في مخطوطات وادي قمران
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نجد تعويذة للحماية من ليليث

أنا الحكيم أقول بصوت الله: فلينزل الرعب و السجن لكل الأرواح الشريرة، و أولاد الأرواح الشريرة، و الشياطين، و ليليث، و من يهاجمون البشر فجأة ليضلوهم

٤- في التلمود
ـــــــــــــــــــــــ
نجد عدة نصوص تذكر ليليث صراحة

يجب ألا يبيت أحد فى منزل بمفرده و من يبيت فى منزل بمفرده فسوف تستولى عليه ليليث

قصة تتكلم أن ليليث تستغل الرجال لكي تحمل منهم و تنجب شياطين

في وصف المرأة: تطيل شعرها مثل ليليث

في أحد القصص: رأيت ابن ليليث الشيطان يجري

اذا أجهضت المراه طفلا شبيها بليليث تكون المرأة نجسة لأن الطفل يكون ذا أجنحة

٥- في حفريات المستوطنات الإسرائيلية في بابل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العديد من الأوعية و الأواني تحتوي على تعويذات للحماية من ليليث شبيهة بالتي ذكرناها في مخطوطات البحر الميت

٦- في كتاب أبجدية بن سيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الكتاب ساخر - و هو أحد كتب اليهود التي تحكي قصصا حول شخصيات العهد القديم. في هذا الكتاب، تظهر ليليث لأول مرة كشخصية لها قصة و تاريخ مرتبط بالأديان الإبراهيمية

في أحد الفصول، يستدعي نبوخذنصر كاتب الكتاب ابن سيرا و يطلب منه أن يعالج ابنه المريض. فيقوم ابن سيرا بإجراء التعويذات اللازمة و يحكي قصة ليليث كالتالي:

عندما خلق الله آدم وجده وحيدا ، فقام بخلق ليليث-امرأة خارقة الجمال- من نفس الطينة التى خلق منها آدم كى تؤنسه فى وحدته. و يستند الكاتب إلى نص سفر التكوين ١ عدد ٢٧ الذي يقول (فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و أنثى خلقهم) و الذي يعني أن الله خلق الرجل و المرأة سويا

إلا أن ليليث لم ترض بالخضوع لآدم، و لم ترض أن يكون الوضع الجنسي الوحيد لهما هو أن تكون هي بالأسفل، ولماذا تخضع له وهي مساوية له فى كل شىء؟

لم يستطع الزوجان حل مشاكلهما - فقامت ليليث بالتفوه باسم الله (و هذا شيء ممنوع في العقيدة اليهودية) فاكتسبت قوة مكنتها أن تهرب مع الشيطان لتصبح معشوقته وتلد له مائة مولود فى اليوم، و استقرت في البحر الأحمر. فاشتكى آدم لله. أرسل الله ثلاث ملائكة يأمرونها بالعودة إلى زوجها، ولكنها رفضت

حاول الملائكة أن يغرقوا ليليث فقامت بحل وسيط - أقسمت باسم الله أنها لن تؤذي أي أحد يلبس تعويذة ضدها

و عاقبها الله بأن تلد فى اليوم مائة مولود ويموتوا جميعا فلا يعش لها مولودا

ثم قام الله بخلق حواء، ولكن هذه المرة من ضلع آدم وليس من ذات المادة الطينية، لتصبح حواء بذلك زوجة آدم المطيعة الخانعة. ويحيا كلاهما فى الجنة بسلام. و يستند الكاتب لنص سفر التكوين ٢ عدد ٢٢ الذي يقول (و بنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة و أحضرها إلى ادم). فهذه المرأه هي حواء - و هي مختلفة عن ليليث المذكورة في الاصحاح ١ عدد ٢٧

ولكن .. ما إن عرفت ليليث بوجود حواء حتى اشتعلت نار الغيرة فى صدرها، فاتخذت شكل حية وقامت بإغوائهما ليأكلا من الشجرة المحرمة، وبذلك _طبقا للأسطورة_ أصبحت ليليث هي السبب فى خروج الزوجين من الجنة. بل، ولم تكتف بذلك، بل قررت ان تنتقم من آدم بأن تقتل أبناءه وهم فى رحم حواء، فيذوق آدم ومعه زوجته ما تذوقه ليليث كلما مات أبناؤها المائة

٦- في كتاب الزوهار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الكتاب من تراث الكابالا و هو فرع من العلوم اليهودية المهتم بالغيبيات و بالمعاني الباطنة للعهد القديم. نجد في هذا الكتاب قصصا أكثر لليليث

نجد أن الله قد خلق في البداية كائنا بلا جنس - ثم فصلهما إلى ذكر و أنثي. و كانت ليليث مغوية لدرجة أنها أغوت آدم و حملت منه و أيضا أغوت سليمان حيث تمثلت له في صورة ملكة سبأ

ثم خرجت ليليث من الجنة، و تحالفت مع سمائيل (أحد تجسدات الشيطان) - و غارت ليليث من حواء فطلبت من سمائيل أن يغوي حواء - ففعل و مارس معها الجنس - و هذا هو تفسير الدورة الشهرية التي تصيب كل بنات حواء - هي الجنين الفاسد الذي كان بين حواء و سمائيل

و كان سمائيل و ليليث ينجبون شياطين كثيرين - فقام الله بإخصائه. و لم تجد ليليث مخرجا لشهوتها إلا عن طريق إغواء الرجال و الحمل منهم

٧- في التراث العربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتشابه ليليث في وصفها مع أم الصبيان التي تقتل الأطفال - و مع النداهة التي تنادي على الرجال فتقتلهم - و مع التابعة التي تلتصق بالإنسان فتصيبه بالشر

نريد أن ننظر للموضوع نظرة أكاديمية بمعزل عن قانونية النصوص التي ذكرناها من الناحية الدينية - و ذلك لكي نفهم المغزى من الأسطورة و علاقتها بالأفكار المتوارثة
الأسطورة تقترح أن ليليث خُلقت من نفس الطينة التى خُلق منها آدم، مما أدى الى تمردها وشرها و انتقامها من آدم ومن ذريته. هذا يعكس خوف الرجل منذ القدم من مساواة المرأة الكاملة به، فإذا ما أخذت المرأة كافة حقوقها وأصبحت مساوية له فى الحقوق و الواجبات و الإرادة عمت الفوضى والخيانة أرجاء المكان. بل انك بمجرد ان تعطى المرأة حقوقها كاملة وتساويها بالرجل عليك أن تتوقع منها سوء الخلق – وتحديدا- سوء الخلق الجنسي

وبذلك ، نجد ليليث الحرة المتساوية مع آدم امرأة خائنة، منتقمة وملعونة من الله ، بينما حواء-المرأة الخاضعة- هي المرأة الطيبة ، التى نالت رضا الله حتى بعد ان قامت بالأكل من الشجرة المحرمة

على الرغم من أن ليليث غير مذكورة بهذا الإيضاح في النصوص الدينية القانونية (باستثناء نص أشعيا) ألا أن ظلال القصة طاغية و مؤثرة في الأفكار الدينية بشدة

زرقاء اليمامة