المسيح لم يفتدينا و لم يموت من أجل خطايانا بل افتدى أمه! ..
تيس عزازيل و طقوس الفداء و الأضاحي في الأسطورة السوراقية القديمة
* بقلم: د. رماز هاني كوسا Dr. Ramaz Hani Kousa
** تحرير و تقديم: د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels
تيس عزازيل هو من ضرورات الطقوس الدينية في التوراة و التي ترد في سفر اللاويين، و هو تيس أسود اللون يؤتى به في عيد الغُفران (يوم كيبور بالعبرية و كيفور تعني كفارة، أي عيد الكفارة)، فيقوم الكاهن أو الحاخام هنا بنقل خطايا الشعب إلى هذا التيس الذي يُمثّل أو يرمُز إلى الشيطان (عزازيل هو أحد أسماء الشيطان .. و منها أيضاً إسم (بعل-زبول) و (سطنا-إيل) ثم يُطلق هذا التيس في البرية، نقرأ في سفر اللاويين 16: 21: * وَ يَضَعُ هَارُونُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ الْحَيِّ وَ يُقِرُّ عَلَيْهِ بِكُلِّ ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ كُلِّ سَيِّئَاتِهِمْ مَعَ كُلِّ خَطَايَاهُمْ، وَ يَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ، وَ يُرْسِلُهُ بِيَدِ مَنْ يُلاَقِيهِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، 22 لِيَحْمِلَ التَّيْسُ عَلَيْهِ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ إِلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ، فَيُطْلِقُ التَّيْسَ فِي الْبَرِّيَّةِ *، فالتيس هنا هو كفّارة لذنوب و خطايا شعب إسرائيل
المزيد حول ذبيحة الكفّارة في المقال على هذا الرابط:
bjnewlife.org/arabic/bstudy/terms_05.php
هل كان هذا الطقس من ابتكار محرري التّوراة و مُدوّنيها أم أنه كانت له جذور أقدم من ذلك؟! .. في الحقيقة تعود جذور هذا الطقس إلى طقوس الفداء (أو الفدو كما نسميها بالعامية، عندما تُقَدّم أضحية كفدو عن شخص مريض مثلاً) المُستَمدّة من الأساطير الرافدينية و تحديداً أسطورة عشتار و زوجها تموز / دوموزي السومري / أدونيس السوري، و مُلخّص هذه الأسطورة أن الإلهة عشتار تهبط إلى العالم السفلي و تموت هناك، و نتيجة لموتها تتوقف مظاهر الحياة على الأرض فتقرر الآلهة إعادتها و لكن بشرط أن تترك مكانها لإلهٍ آخر، و يقع اختيارها على الإله تموز زوجها الذي يُساق إلى العالم السفلي، فتتحرر عشتار لتعود مظاهر الحياة و عجلتها لتدور على الأرض .. فتموز هنا هو البديل أو الفداء / الإفتداء / الفدوى الذي قُدِّمَ للعالم السفلي لإعادة الحياة لعشتار لضمان استمرار دورة الحياة على الأرض
من هنا كانت عادة تقديم البديل أو الفداء تُمارَس في أرض الرافدين ضمن إطار الطقوس السحرية التي كانت تُمارَس بقصد شفاء الناس من أمراضهم و ذلك بتقديم بديل عن المريض، حيث كان المريض نفسه يتقمّص شخصية الإلهة عشتار، حيث كان يتم تجهيز سرير جنائزي رمزي للإله تموز، فيقف المريض أسفل السرير و قد غُطِّىَ وجهه (في دلالة على أنه مات) ثم يقوم يتلو الكاهن بعض الترانيم و يناشد الالهة بتقديم يد العون لشفاء المريض، و كان يتم تقديم إثني عشر نوعاً من المأكولات كتقدمات .. هنا يكون التبادل قد تم بين الإله تموز و بين المريض (المُتقمَّص بهيئة عشتار) و انتقل المرض للإله تموز .. حينها يُتم إلباس المريض ثوباً من الخيش و يقوم بالصّيام لثلاثة أيام يخلع الثوب بعدها على أمل أن يكون قد شفي! و هذه الأيام الثلاثة لم تكن رقماً عشوائياً بل كانت تمثّل الفترة التي قضتها الإلهة عشتار في العالم السفلي قبل أن تعود إلى الحياة. ([موسوعة الأديان] تقول بأن تموز هو من يقضي ثلاثة أيام تحت الأرض، لكن الأسطورة تقول أن عشتار هي من تبقى في العالم السفلي لمدة ثلاثة أيام أما تموز فيبقى لمدة ستة 6 أشهر في العالم السفلي ثم يصعد إلى الأرض لمدة ستة 6 الأشهر الأُخرى من السنة في تبادل لدورة الحياة، ستة أشهر شتاء و خريف و ستة أشهر ربيع و صيف للزراعة)، و هو تكرار لسيناريو عودة الإلهة عشتار للحياة بعد ثلاثة أيام من نزولها إلى العالم السفلي في الأسطورة بعد ترك مكانها للإله تموز
و تورد [موسوعة الأديان الجزء الثاني؛ ديانة بابل و آشور تأليف Hook] مثالاً آخر يظهر تطوّر طقس البديل / الإستبدال أو الفداء إلى تقديم أُضحية حيوانية كبديل أو فداء عن الإنسان المريض كجدي مثلاً و هو يرمز للإله تموز حيث يلجأ الكاهن إلى ذبح التيس أو الجدي بالتّزامن مع طعن المريض بسكين خشبي كرمز أو دلالة على موته ثم يتم تحنيط الحيوان و دفنه وفق الشعائر الدينية كأي إنسان عادي و النتيجة هي الشفاء المرجو للمريض، فمرضه يكون قد انتقل إلى الأضحية بدلاً عنه فهي التي تكون قد ماتت و نجا المريض!!
من هنا يمكن القول أن طقس تيس عزازيل هو استمرارية للطقس الرافديني بفداء الإله تموز و الذي يُعتبر الجدي أحد رموزه (يُقابله بعل / أدونيس في الأسطورة السورية) للإلهة عشتار، و إلى هذا المنبع تعود فكرة الفدو الموجودة حتى اليوم في الثقافة الشعبية لمجتمعاتنا. و نستطيع مشاهدة إنتقال فكرة الفداء إلى المسيحية بحادثة صلب و قيامة المسيح، طبعاً مع تعديل في المضمون الفِكري بما يتناسب مع الديانة الجديدة و مفهومها عن المسيح، فالمسيح صُلِب و مات فداءً عن خطايا البشرية و قام بعد ثلاثة أيام من موته، فالمسيح هو الفادي لنا و المُكَفِّر عن خطايانا و هو المُخَلِّص للبشرية، و هو نفس خط السير الذي تسير عليه قصة دوموزي / تمّوز / بعل / أدونيس و عشتار
و هناك تقليد إجتماعي آخر نستطيع إسناده إلى فكرة الفداء المُستمَدّة من أسطورة عشتار و تموز و هو تقليد ذبح الأضاحي بعد موت شخص ما. فهذا التقليد يحمل في طياته فكرة إنتقال خطايا الميت إلى الحيوان المُضحّى به بشكل مُشابه لفكرة إنتقال المرض من الشخص إلى الجدي، أو إلى الحمار الذي يحتفل به اليهود فيحملونه على ظهورهم فيرقصون و يدورون به و هو طقس مأخوذ عن قدماء المصريين كما بينا ذلك في بحثٍ سابق تجدونه على هذا الرابط
m.facebook.com/story.php?story_fbid=544300552587009&id=263584180658649
ثم تطوّرت مع الزمن لتحمل دلالات أُخرى تُشير لكون التضحية بالحيوان و توزيع لحمه هو لفعل الخير و تقديمه لروح الميت و إكسابه حسنات، و هو يُعتَبر وجهٌ آخر لفكرة نقل الخطايا للحيوان الذبيح أو الأضحية، فإكساب الحسنات للميت يُقلل من الخطايا في ميزان الحساب، و تقليل الخطايا هو الهدف الرئيسي لموضوع الفِداء بنقلها إلى الأضحية كما رأينا أعلاه في طقس التضحية بجدي أو بتيس عزازيل
إسلامياً نرى طقس الأضحية موجوداً و هو أحد طقوس الحج و في قصّة محاولة ذبح "النبي" إبراهيم لإبنه إسماعيل (من أمه العربية هاجر) و استبداله بكبش في آخر لحظة {* و فديناه بذبح عظيم *} الواردة في التّراث الإسلامي نراها تُماثل أو بالأحرى تُطابق قصّة محاولة ذبح "النبي" إبراهيم لإبنه إسحق (من أمه سارة اليهودية) و استبداله بكبش في آخر لحظة، و نلاحظ أن النّص القراني استعمل كلمة (فديناه) و هي من الفداء. و يُمكن أن نلمس هنا آثار لفكرة الفداء القديمة بتضحية الحاج بأضحية بعد إتمام مناسك و طقوس حجّه فيعود بعد الحج كما ولدته أمه، نقياً طاهراً من الخطايا، فالخطايا قد انتقلت للأضحية التي قدّمها ضمن طقوس الحج
طبعاً المفهوم الديني الإسلامي لا يشمل المفهوم الرافديني القديم، فدلالات الطقوس الدينية تختلف و تتطور مع الزمن، و لكن تقنية المُمارسات تبقى مُحافظة على شكلها العام، فإن كان المفهوم حول فداء تموز لعشتار قد اختفى مع الأديان الإبراهيمية لكن جذور المُمارسات التي لاتزال موجودة و متبعة فيها، إن كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية كما هو واضحٌ لنا تماماً تنبع من هنا و إن اختلف تأويلها و تفسيرها و دلالاتها الرمزية
للمزيد عن طقوس الفداء و أسطورة الإله الفادي أو المُخلِّص دوموزي / تموز / بعل / أدونيس و عشتار يمكنكم تحميل و قراءة كتاب لُغز عشتار للأستاذ الكبير الباحث الرّائد فراس السّواح (من أهم المراجع في هذا الموضوع) مجاناً على هذا الرابط:
books4arab.com/تحميل-كتاب-لغز-عشتار-الألوهة-المؤنثة-و
الصورة المُرفَقَة هي لتمثال الشيطان في مدينة (Little Rock) عاصمة ولاية أركنساس (Arkansas) في الولايات المتحدة الأمريكية
٨ تعليق
٣٤ مشاركة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق