يقال المظاهر خداعة، إذ تتلاشى هذه الأخيرة بمجرد الاقتراب منها، ورؤيتها عن قرب.
وفي مجال الأدب أو الرسم، ظهر تيار الواقعية ليرسم الحقيقة كما هي. ويعنى هذا التيار بتصوير الأشياء والعلاقات، بصورة واضحة كما هي عليه في العالم الحقيقي الواقعي، وبتصوير الجوهر الداخلي للأشياء. ولعل الملابس تشكل العنصر الرئيسي في مظاهر الناس، فهل هي من تصنع الناس أم الناس من يصنعونها؟ كيف للملابس الأنيقة أن ترفع من قدر إنسان قد يكون شيئا بدونها، وتحط ثياب بالية من قدر آخر قد يكون ذا شأن؟
"الملابس تصنع الناس" قصة قصيرة، لكنها في جوهرها تحمل رسالة حول كيف يمكن للإنسان أن ينخدع بسهولة بالمظاهر إذا سيطرت عليه السطحية. يروي الكاتب قصة شاب يدعى "لترزي" يعمل متعلما لدى خياط القرية، وهو متقن لعمله، يقرر في أحد الأيام أن يرتدي حلة جديدة خاطها لأحد أغنياء المدينة. في تلك الليلة، يغادر القرية مرتديا البذلة الجذابة، بيد أنه لا يملك النقود الكافية للذهاب إلى المدينة، إلا أن البذلة ستكون هي مفتاحه لكل عقبة تواجهه.
في الطريق، وأثناء انتظاره، يمر رجل بعربته أمام الشاب، فيظن أنه أحد الأثرياء ويعرض عليه أن يوصله، دون أن يشرح الشاب أي شيء، يصعد إلى العربة الفاخرة. تتوقف العربة أمام الفندق الفاخر للمدينة حيث يجتمع أثرياء المدينة، سائق العربة يظن أن هذه هي وجهة الشاب، وهذا الأخير يعتقد أن السائق وصل إلى وجهته أيضا. يلمح مدير الفندق الشاب ذي الحلة الجميلة، فيظنه النبيل البولندي الذي تنتظره المدينة، فيرحب بالضيف أشد ترحاب، لأنه سيشكل حدثا كبيرا في أوساط المجتمع الراقي. يدخل الشاب إلى قاعة كبيرة تضم أهم شخصيات المجتمع، فيحمر خجلا لأنه لن يعرف كيف سيجيب عن أسئلتهم، وهنا تبدأ تأويلات المحيطين به، فيفسر أحدهم خجله بتواضع النبلاء. وعند تقديم الطعام، أخذ يأكل بشراهة، فسرها الطباخ أن النبيل يعبر عن امتنانه وإعجابه بالطبخ. لتأتي فرصة تذوق النبيذ، الذي لم يكن الشاب قد عرفه من قبل، يتردد قبل أن يرتشف الرشفة الأولى، فيقول أحدهم، إنه يحاول أن يميز النبيذ من رائحته، مما ينم عن معرفة كبيرة بالنبيذ.
ويستمر الجميع في الاعتقاد بأنه نبيل بولندي، وينخدع الناس بهيئته ويعاملوه كأمير حتى يصبح كل تصرف منه مقبولا، بل وممدوحا أيضا، وتسير أحداث القصة لتأتي ساعات الاختبار والامتحان الحقيقي، هل سينجح الشاب في اختراق مصاعب الحياة والنجاح فيها، أم أنه سيفشل في ذلك؟
صدرت هذه القصة القصيرة في عام 1866 للكاتب السويسري "غوتفريد كيلر"، الناطق باللغة الألمانية، الذي يعتبر من كتاب الرواية الواقعية المصورة لتوتر الفرد والعالم المحيط به
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق