«القاهرة وما فيها» (الدار المصرية اللبنانية) هو عنوان آخر كتب الروائي المصري مكاوي سعيد، الذي غادر عالمنا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وفيه يستكمل سعيد ما بدأه في كتابيه «مقتنيات وسط البلد» (2008) و«كراسة التحرير» (2012)، حيث الشغف بكتابة التاريخ غير الرسمي لمنطقة وسط البلد في القاهرة، إضافة الى النبش في الذاكرة الشخصية لقاطنيها انطلاقاً من خبرة مباشرة امتلكها الكاتب من العيش داخل المكان. نال مكاوي سعيد شهرة واسعة في السنوات العشر الأخيرة عقب وصول روايته «تغريدة البجعة» الى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر» في دورتها الأولى في العام 2007. ومثَّل رحيله المفاجئ صدمة في الأوساط الأدبية العربية، وقد اعتبره بعضهم من «أيقونات» القاهرة، ووُصِف بأنه «جبرتي هذا الزمان». وانتهى مكاوي سعيد من تأليف الكتاب قبيل وفاته بأيام وراجع مسودته الأخيرة مع الناشر، لكنه لم يتمكن من كتابة الإهداء، وأعدّ مقدمة كشف فيها أسرار ولعه بالمدينة وسرّ شغفه بالكتابة عنها، وقال إنه كتب الكتاب «امتناناً لهذه البقعة المباركة، التي عشنا فيها وتنسّمنا نسيمها وارتوينا من عشقها وعاصرنا تحولاتها وتأسينا على ما يجري لها».
ولا يتناول الكتاب أحداثاً تاريخية بعينها ولا حوادث سارّة أو مفجعة بذاتها، إنما هو يجري كمياه المطر كيفما اتفق، بما يحويه من مقالات وتدوينات الكتب والأخبار. ويتضمن الكتاب معلومات غير معروفة لغير المختصين وصوراً نادرة للتدليل عليها. ويرثي صاحب «فئران السفينة» مدينته التي عاشت تدهوراً بالغاً على مدار قرن، كما يتحسّر من طريقة تعاملنا مع الأرشيف ومحتوياته، سواء تمثّل في الصحف والدوريات أو الصور أو الأفلام السينمائية، مؤكداً أن كتابه أقرب إلى مواجهة مع حالة الفقد والضياع التي تعانيها «ذكرياتنا وتواريخنا الشفهية وحواديتنا». ولا يكتفي الكتاب باستعادة تاريخ المدينة من خلال التوقف أمام علاماتها المميزة مثل: «بِركة الأزبكية» و«قصر عابدين» فقط، وإنما يستكمله بتخليد أيقوناتها من المشهورين والمغمورين ويتوقف أمام شخصيات مثل: أم كلثوم ومحمد فوزي وعبدالفتاح القصري وتحية كاريوكا ونجيب الريحاني وزكريا أحمد ومحمد القصبجي وسامية جمال وأنور وجدي عبر مشاهد وويوميات وطرائف تاريخية، كتبها المؤلف بلغة بسيطة وساخرة.
بدأت رحلة مكاوي سعيد (1956- 2017) مع الكتابة أواخر السبعينات، حين كان طالباً في كلية التجارة في جامعة القاهرة. ونشرت قصائد عدة له في مجلة «صوت الجامعة» وغيرها. وحصل على لقب «شاعر الجامعة» عام 1979، وعقب تخرجه بدأ كتابة القصة القصيرة وسيناريوهات الأفلام القصيرة، ومن أعماله: «الركض وراء الضوء»، «فئران السفينة»، «سرّي الصغير»، «راكبة المقعد الخلفي»، «تغريدة البجعة»، «أن تحبك جيهان». ونال الراحل جائزة الدولة التشجيعية وجائزة اتحاد الكتاب وجائزة ساويرس، فضلاً عن جائزة سعاد الصباح التي حصدها في منتصف الثمانينات. صدر كتاب «القاهرة وما فيها» في طبعة فاخرة من 488 صفحة ووُضعت صورة شخصية للمؤلف على الغلاف مهداة من الفنان عماد عبدالهادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق