قال الفنان الفلسطيني والمخرج المسرحي علي أبو ياسين، أن أول باكورة للمسرح الفلسطيني كانت في عام 1830، مُضيفًا أن فلسطين كانت من أوائل الدول العربية التي أنتجت المسرح، بعدها بعشرات السنين لحقت بها الدول العربية في انتاج الأعمال المسرحية.
حديث الفنان "أبو ياسين" جاء خلال اللقاء الثقافي الثاني لصالون حنظلة الثقافي والذي ينظمه اتحاد الشباب التقدمي الفلسطيني في قطاع غزة، وجاء هذا اللقاء الذي عُقد مساء اليوم الثلاثاء وأدارته سوار الزعانين، تحت عنوان "المسرح الفلسطيني بين السجون والحريّة".
الأساس فلسطين
وأضاف الفنان أنه ونتيجة للنكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948، أُغلقت دور السينما والمسارح، في حين أن مدينة يافا وأيضًا حيفا كان بهما أكثر من عشرين دار للسينما قبل عام النكبة، مُشيرًا إلى أن فلسطين كانت مسرحًا خصبًا لمن يريد أن يعرض أعماله الفنية والمسرحية.
وتابع: "حضرت شخصيات بارزة من الفنانين العرب، منهم يوسف وهبي وجورج أبيض وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم ليقدموا عروضًا قبل عام 1948 في يافا وحيفا، أما بعد الهجرة والتشريد، فانعكس هذا الألم على الحالة الابداعية والثقافية والسينما والمسرح والرواية والقصة والفن التشكيلي، فأصبحنا بحاجة لعدة سنوات من أجل استنهاض طاقاتنا وقدراتنا الفنية".
كما وأكّد على أنه وبعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية أصبح الاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين يقدم عروضًا مسرحية، وكان من أهم الشخصيات التي شاركت هو الفنان خليل طافش والفنان العراقي جواد الأسدي الذي قدم العديد من أعمال المقاومة والأستاذ محمد ياسين، موضحًا أن هذه الحالة استمرت في الضفة المحتلة وقطاع غزة حتى تم تأسيس مسرح الحكواتي، والذي كان نقطة الارتكاز الأولى في المسرح المحترف.
المسرح المحترف
وأضاف "أبو ياسين"، أن الذي أسس المسرح المحترف مجموعة من الفنانين أمثال فرانسو أبو سالم وايمان عون وراضي شحادة وادوارد معلم وعامر خليل، وبعد ذلك انبثق عنهم عدة مؤسسات مثل القصبة، بلالين، دبابيس، ثم مسرح عناد، ومسرح عشتار.
وأشار إلى أن فترة التسعينات شهدت بداية المسرح المحترف، وكان في قطاع غزة حوالي خمسة عشر فرقة مسرحية، منها: فرقة الجنوب، وفرقة الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين، وفرقة كنعان، وحضر مسرح عشتار إلى غزة وقد تتلمذوا على يد فرانسو أبو سالم الذي منهج المسرح. بعد ذلك درّبوا مجموعة كبيرة من الفنانين في القطاع.
وأوضح الفنان "أبو ياسين"، أنه بعد ذلك تراجعت الكثير من الفرق واستمر ما يقرب خمسة مؤسسات في كل قطاع غزة، مثل فرقة أيام المسرح، وفرقة البيادر، وعشتار، ومؤسسة بسمة، وغيرها."، وتابع: "حاولنا أن نقدم أعمالنا داخل الوطن وخارجه، ومعظم الفنانين شاركوا في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وأصبح الفنان الفلسطيني ليس مجرد ناقلاً لتجربته داخل غزة فحسب، فمؤسسة عشتار مثلا تقدم تدريبات مسرحية في أمريكا اللاتينية والعراق واليمن وفي معظم الدول العربية، حيث أصبح الممثل الفلسطيني يحصل على العديد من الجوائز، مثل أحمد أبو سلعوم، وحسام أبو عيشة الحاصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان قرطاج، وايمان عون الحاصلة على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، حتى أننا أصبحنا ننافس على جائزة الأوسكار.
الاحتلال والخشبة
وأكّد "أبو ياسين" خلال اللقاء الذي حضرته "بوابة الهدف"، على أن سلطات الاحتلال الصهيوني أدركت أهمية المسرح وتأثيره في المسيرة النضالية، حتى أن الاحتلال لاحق المسرح الفلسطيني وفنانيه، مُشيرًا إلى أن مجموعة كبيرة من الفنانين ممنوعة من السفر للخارج عن طريق معبر بيت حانون/ ايرز. "انهم يعتبرون الفنان الفلسطيني من أخطر الناس في فلسطين، لأنهم على معرفة ودراية كاملة بأنك من خلال كلمة ممكن أن تغير من بلدك، وقبل عام 1948 أخرجوا فيلم اسمه الماعز يحب الحشائش وكان يدعو للهجرة إلى فلسطين بوصفها بلد المن والسلوى والحليب واللبن والفاكهة، فقد كانت السينما وسيلة لهم للترغيب بالهجرة الى فلسطين".
الدور الرسمي!
"كان هناك حلم وطموح وايمان بالمسرح انطلاقًا من مقولة أرسطو (أعطني مسرحًا وخبزًا أعطيك شعبًا حضاريًا. كنا مؤمنين أن المسرح هو وسيلة مهمة من وسائل النضال ونحن نقاوم من أجل المسرح"، والحديث هنا للفنان أبو ياسين، كما وأضاف بالقول: "بعد قدوم السلطة الفلسطينية كان لدينا حلم ببناء المسارح وإنشاء معهد عالي للفنون المسرحية وإنشاء المكتبات. مع الأسف أصبح المثقف تحت أقدام العسكري ليس له معنى، فالكاتب والشاعر يواجهان الصعاب اليوم لنشر أعمالهم، الانتاج الموجود لا يقابل بعوائد مادية، والسلطة الفلسطينية ووزارة الثقافة على وجه الخصوص لديها قصور كبير في دعم المسرح والمسرحيين".
الانقسام
كما وقال أن الانقسام الفلسطيني أثر بشكلٍ كبير على المسيرة الفنية والثقافية، في الماضي لم يكن هناك دعم ولكن كنا نجلس بجوار الفنانين الكبار في المهرجانات العربية والدولية كأمثال محمود ياسين وليلى علوي، ولكن اليوم لا نستطيع فعل شيء، ومع توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية شعرنا بالأمل وأننا سنعود ونسافر للخارج ونعرض أعمالنا الفنية، وفي كل مرة نجهز أنفسنا، تفشل المصالحة!".
"الجمهور الفلسطيني ومع الأسف، يرى معاناة الطالب والمريض وصاحب الاقامة الذين هم بحاجة ماسة إلى السفر، ولكن لا أحد يشعر بمعاناتنا كمسرحيين وفنانين لا يستطيعون السفر لعرض أعمالهم".
وختم الفنان علي أبو ياسين حديثه في اللقاء: "آملاً بأن يصل صوت كل فنان فلسطيني إلى المسئولين من أجل بناء الانسان علينا أن نبني مسرحًا، ونؤسس لجيل يحافظ على الوطن، يكون مثقفًا ويعزف الكمان ويكتب المسرحية ويكتب الشعر ويرسم، فالأوطان لا تبنى من دون سينما، وما يحدث بحق الفنانين والمثقفين في غزة عبارة عن جريمة، وكأن هناك مؤامرة على الثقافة والمثقفين، وغزة مليئة بالموهوبين كأمثال محمد عساف، فنحن إن لم نستثمر الإنسان فماذا نستثمر؟!".
وبالانتقال إلى الضيف الثاني في اللقاء الثقافي الذي حضره مجموعة كبيرة من الشباب والفنانين والمثقفين، تحدّث الأسير المُحرّر محمد أبو كرش "أبو لميس" عن تجربة المسرح داخل السجون، اذ بدأ بسرد مجموعة من المواقف والقصص التي حصلت معه داخل السجون.
وقال "أبو كرش"، أنه كان في سجن غزة المركزي ومن ثم انتقل الى سجن المجدل. يضيف "كنا في غرفة واحدة برفقة خمسة من الشبان الذين لديهم الميول المسرحية, فاقترح الشبان أن نقوم بعمل مسرحي بعنوان "بائعة الورود".
وأوضح الأسير المُحرّر أن "الأسير كان يفكر في ذويه طوال الوقت، فرأينا أن المسرح هو السبيل الأفضل والوحيد من أجل الخروج من هذه الحالة، وكان لدى بعضنا الجرأة للقيام بهذه المهمة، خصوصًا ونحن نتحدث عن مسرح داخل السجن"، مُشيرًا إلى أن هناك مجموعة من العوائق والمشكلات التي كانت تواجههم داخل السجن في حال القيام بعمل مسرحي، من بعضها "الديكور، والتدريب على الأدوار، والأصوات المستخدمة في العمل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق