اصدرت جامعة البلمند كتابا يضم عددا من الرسائل الرعائية والخطب والعظات للبطريرك يوحنا العاشر يازجي، تحت عنوان: تحديات الوجود المسيحي في المشرق.تعددت مقالات هذا الكتاب مع تعدد الحوادث والاحداث التي رافقت تحركات البطريرك طيلة هذه السنوات، وكان لكل منها طعم المناسبة. لم تتشابه المناسبات ابدا ما ساهم في ابعاد الترداد المألوف في حالات كهذه عند قراءة هذا المؤلف. ويجد القارئ في هذا الكتاب، واحيانا في المقال الواحد تكاملا بين خطين اثنين يشكلان هاجس البطريرك يوحنا العاشر، وكأنهما في تناغم مستمر وجدلية دائمة تسعى الى شد القارئ الى ما هو ابعد من الكلمات.
أول هذين الخطين رعائي في العمق، لكن الرعاية هنا لا تتوقف على أبعاد إجرائية بل تربط الرعاية بهدفها وهو الانسان، أكان منتميا إلى الارثوذكسية ام لا. الانسان، كل انسان مدعو عند قراءة هذا المؤلف إلى أن يتنبه الى محبة الله له، وهذا يفسر ما جاء في اكثر من مكان عن التعايش والانفتاح والتواصل، كما يفسر هذا المنحى الكلام على التعاطي مع المحن بصبر وايجابية بعيدا عن الانفعال، فتبقى معالجة الامور على مستوى المسؤولية المستقاة من روح الانجيل.
من هذا المنطلق يقارب البطريرك الاشكاليات السياسية المطروحة، فالتجذر بالارض والحفاظ على حقوق أصحابها أكانوا في لبنان ام سوريا ام العراق او فلسطين، والمساواة في المواطنة، أمور تأخذ اهميتها من علاقتها بالانسان واحترام طاقته على النمو في كل اتجاه. وبحسب البطريرك، حق المواطن على المسؤولين ان يطالبهم بالاهتمام بالابعاد الانسانية لخدمتهم، لانهم بذلك يحترمون كونه مخلوقا على صورة الله. من هنا إن موضوع التعايش مع الشركاء في المواطنة ليس منة منا على الاخرين بل هو جزء من رؤيتنا لهم، ومحبتنا لهم، ودورنا المشترك في تحضير مستقبل اوطاننا.
أما الخط الثاني فيتمثل بالرؤية التخطيطية، وتحضير المستقبل على اسس دور انطاكية في المشرق من جهة، وفي الكنيسة الارثوذكسية الجامعة من جهة اخرى. يتمحور هذا الخط الثاني حول ما جاء في رسالة البطريرك الرعائية سنة 2013 التي تضع النهج البعيد المدى الذي يرسم ما سيكون عليه تحرك صاحب الغبطة طوال خدمته. والملفت في هذا التوجه تشديد غبطته على الوحدة الانطاكية كحجر اساس لتأكيد دور الكنيسة الشهادي.
اخيرا وليس آخرا، ورغم كل المآسي التي احاطت بالكرسي الانطاكي طيلة هذه السنوات الثلاث، لا بد للقارئ ان يلاحظ ان البطريرك يوحنا العاشر يدعو الجميع وباستمرار، أن يبقوا ثابتين في ايمانهم. هذا الكتاب هو كتاب رجاء في زمن الالم.





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق