حوار : فؤاد حجازي: تجربتي في حرب 1967 أعطتني خبرة للكتابة

. . ليست هناك تعليقات:




ظل المصري فؤاد حجازي (1938) طيلة رحلة إبداعه؛ محافظاً على شيئين إثنين: على كونه كاتباً أولاً وأخيراً، ثم على وجود دور ثابت يراه ويعمل من أجله، بعيداً مِن أضواء القاهرة، فهو يعيش في مدينة المنصورة (شمال مصر) ولم يفكر في النزوح إلى العاصمة كما فعل كثيرون غيره. حرم نفسه مِن «جنة القاهرة»؛ وقت أن كانت ميسّرة أمامه، مثلما حُرِم فرصة إكمال تعليمه في كلية الحقوق، نظراً لفصله منها بسبب نشاطه السياسي.

استطاع حجازي أن يكسر هذا الحاجز الوهمي بين صورة الكاتب المتخيلة، وبين الناس، مِن خلال إيمان حقيقي بدور الكاتب في التنوير بمعناه المحدد والمؤثر، بحيث ينفي عنه صفة «الرسالية» ويحوله إلى فرد عادي لا يشعر بأي تمييز. وبهذا كان حاضراً في اعتقالات عدة، ثم كمجنّد في الجيش المصري، وقع في الأسر خلال حرب 1967، ثم حضوره في مؤتمرات الإبداع، وكثير من فاعليات العمل الثقافي والسياسي، خصوصاً «انتفاضة الخبز»، وأخيراً تألقه السبعيني في ثورة كانون الثاني (يناير) وما تلاها، وما سجّله عنها في كتابه «الجنود يصفقون لحاملي الكتب». كتب رواية عن الحروب التي خاضتها مصر في العصور الحديثة بعنوان «الرقص على طبول مصرية»؛ وأسّس في العام 1968 سلسلة «أدب الجماهير» في المنصورة، التي ساهمت في حل مشكلة النشر المركزي أمام الأدباء الجدد.

لفؤاد حجازي نحو 30 كتاباً، بينها روايات عدة، منها «شارع الخلا»، «نافذة على بحر طناح»، «المحاصرون» «رجال وجبال ورصاص»، «الأسرى يُقيمون المتاريس»، وست مجموعات قصصية: «سلامات»، «كراكيب»، «سجناء لكل العصور»، «الزمن المستباح»، «النيل ينبع من المقطم»، و «كحكة للصبي».

ولفؤاد حجازي أعمال عدة في مجال أدب الطفل، وكتب مسرحيات عدة، منها «حاملات البلاليص»، «عفواً رئيس الديوان».

هنا حوار معه:

> ماذا بقي مِن حديث البدايات؟

- كانت البداية بعد حرب 56، حيث كنت وقت المعركة مع الفدائيين في غرب القنطرة للدفاع عنها إذا تقدمت إليها القوات البريطانية التي احتلت بورسعيد وتقدمت إلى منطقة بحر البقر على بعد يسير منا، وبعد الحرب ذهبت إلى بورسعيد وعملت في شركة تورّد مستلزمات السفن العابرة للقناة، من مأكل وماء وخلافه وتحصيل الحساب من الشركات مالكة السفن، وأتيحت لي الفرصة لأرى أبطال بورسعيد الذين تصدوا للمعتدين وهدمت منازلهم واستُشهد منهم عدد كبير، ولم تعوضهم الحكومة، أو تجد لهم أعمالاً. وحدث أن عدتُ إلى المنصورة، استعداداً لاستكمال دراستي في الجامعة، وتأملتُ في ما حدث وفي ما رأيت، وأحسستُ برغبة قوية في الكتابة عنه.

> حدثنا عن تجربتك مع أدب المقاومة وأدب الحرب؟

- في كثير من الأحيان تخلق الظروف المعاشة الإنسان. فجأة وجدتني مستدعى لخدمة الاحتياط في أيار (مايو) 67 قبل المعركة بأيام. توالت الأحداث بسرعة. توتّر الجو، واشتعلت الحرب، وما هي إلا أيام قليلة حتى أصبتُ بشظية قنبلة ملقاة من طائرة «مستير». نزفتُ، وأغمى عليّ ولم أكد أفيق وأتحرك مع مَن نجوا مِن الغارة، حتى أحاطت بنا القوات الإسرائيلية عند «جراده»؛ في منتصف الطريق بين العريش ورفح. قُتل بعضُنا وجُرح آخرون ووقعنا في الأسر. أتاحت لي التجربة التي خضتها في معسكر الأسرى خبرة للكتابة عما لاقيناه؛ وأسفر هذا عن المجموعة القصصية «سلامات»، ثم روايتي «الأسرى يقيمون المتاريس».

> هل عبّر الأدب العربي كما يجب عن تجربة التعامل مع إسرائيل في ظل التحولات السياسية الدولية الآن؟

- هناك أعمال كثيرة عبرت عن المقاومة ضد إسرائيل. من فلسطين على سبيل المثال غسان كنفاني ومن سورية نبيل سليمان ومن مصر قاسم عليوة ورجب سعد السيد وآخرون، وأتوقع المزيد منها، بل وازدهارها لنصرة عروبة القدس، في ظل تعقد القضية الفلسطينية بعد اعتراف الرئيس الأميركي الحالي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

> حصلتَ على جائزة الدولة على رغم أنك تصنف كمعارض... حدثنا عن قضية المثقف والسلطة وموقفك من الجوائز مصرياً وعربياً وبخاصة أن هذه القضية تثار في مصر سنوياً؟

- حصلتُ على جائزة الدولة في أدب الأطفال، وضنوا عليّ بها في أدب الكبار. وهذا موقف يحسب للدكتورة سهير القلماوي اليمينية جداً ورئيس اللجنة المانحة وقتها. هي كانت موضوعية وهي توافق على منح الجائزة لكاتب يساري. ومن جهة أخرى، فهذه الجائزة تدين المسؤولين عن بقية جوائز الدولة؛ ليس لتعاميهم عني فقط، بل وعن آخرين كثيرين. الأوفق أن نطلق على هذه الجوائز جوائز الشؤون الاجتماعية، فهم يعطونها لفلان لأنه مريض وفي حاجة إلى المال، ويعطونها لآخر لأنه كبر في السن وقد يموت في أي لحظة وهذه آخر فرصة له. وبالطبع، أنا لستُ ضد إعطاء المال للأدباء المرضى أو المسنين، لكن تحت أي بند آخر. أما الجوائز فهي تُعطى لمن يبدع وينجز ويضيف لتكون لها قيمة حقيقية وتدفع آخرين للإجادة، أملاً بجائزة تكافئهم على معاناتهم وصمودهم.

أما عن المثقف والسلطة، فالسلطات في الدول العربية كافة، لا تريد مثقفاً حقيقياً، بمعنى أنه يعمل على زيادة الوعي، ونقد الأوضاع التقليدية والتي تجاوزها التقدم. جميعهم يريدون مسايراً يمتدح أعمالهم ويتغافل عن نقائصهم، ونقائص مجتمعاتهم. يريدون الترويج للقيم البالية التي تكرس التخلف وعدم التحديث، ولا تدفع إلى النقد وكشف العورات. هم لا يريدون إبداعاً جمالياً، لكن يريدون مجاملاً، مهللاً. المثقف العربي في موقف صعب حقاً، ويلاطم موجاً عاتياً.

بخصوص الجوائز في بعض الدول العربية، فهي مسيسة، وأحياناً تراعي الجغرافيا، فمرة لأردني، وأخرى لتونسي، أو يمنحونها لمعارض لحكومة تختلف مع الدولة المانحة، أو لمؤيد لهم وهكذا. هذه الجوائز لا تعبر عن قيمة حقيقية، يجَازَى في شأنها المبدع.

> المتابع لإبداعك منذ «شارع الخلا»، سيلحظ بوضوح تأثير التجربة الشخصية... إلى أى حد يكون الإبداع صدى للواقع المعاش؟

- نعم؛ التجربة الشخصية بلا شك أصدق في التعبير؛ ولذلك دوماً أكتب عما أعرفه. أكتب عن بيئتي، فحياتي لا تنفصل عن كتاباتي، وليس هناك ما أخجل منه. نشأت في حي شعبي، اسمه «كفر الغجر». والدي كان طباخاً. في ذلك المكان، تطلعت حولي، رأيت هذه الحياة الشعبية، بما فيها من فقر مدقع وتضامن لدفع الخطر وغشم السلطة الجائرة. فيه أيضاً لصوص وتجار مخدرات، وصدقني لو قلت لك، إنه على رغم أنهم خارجون على القانون، إلا أنهم – في ما بينهم - يتحلون بالنخوة والشهامة، ويدافعون عن الضعيف، ولا يسمحون لأحد بإهانة أي فرد مِن حيهم.

> هل كان هذا دافعك لاختيار مشكلة المخدرات كمتكأ في روايتك «لا تنس الهدهد»؟

-ربما. جميع أصدقائي؛ تقريباً؛ يعانون مِن هذه المشكلة. أولادهم غارقون في المخدرات بدرجة ما، والجيران والأصدقاء، وكان هناك كاتب معروف، فقد ولده نتيجة إدمان المخدرات، على رغم أنه شاب مثقف متعلم ويعمل أيضاً. هؤلاء يحتاجون أموالاً هائلة، فيلجأون للسرقة مِن الأهل، ثم العمل في تجارة المخدرات ذاتها، حينما تحاول الاقتراب مِن هذا العالم، ستدهش حين ترى صيدلياً يبيع ما لديه من حبوب أو غيره بخمسين ضعف السعر المقرر، من أجل سيارة وبيت، وهو رجل مثقف ومتعلم، وكان أحدهم يلقاني فيطلب آخر كتبي ليقرأها. ولكن المخدرات ليست مشكلة اجتماعية اقتصادية فقط، إنها مشكلة سياسية بامتياز. أميركا تدعم تجارة المخدرات والأفيون في أفغانستان، وتشجعها في العالم كله. الاستخبارات الأميركية؛ لكي تمول عملياتها في أميركا اللاتينية، اتفقت مع تجار المخدرات على أن تغمض عينيها مقابل جزء من الربح تمول به عملياتها. هي عملية سياسية من الدرجة الأولى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة