العنصرية في الفلسفة

. . ليست هناك تعليقات:





هناك رأي شائع يقول إن الفلسفة الغربية ضيّقة الأفق وتفتقر إلى الخيال وكارهة للأجانب وخائفة منهم. وإلا كيف نفسّر تجاهل كافّة أقسام الفلسفة تقريبا في أمريكا وأوربّا للتقاليد الفلسفية الثريّة للصين والهند؟!
وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى قرون. كان معروفا عن "ايمانويل كانت"، مثلا، احتقاره لكونفوشيوس. وقد كتب ذات مرّة يقول: لا وجود للفلسفة في سائر بلاد الشرق. وكونفوشيوس لا يعلّم في كتاباته أيّ شيء خارج العقيدة الأخلاقية المصمّمة أساسا لأمراء الصين منذ القدم. لكن أيّ مفهوم عن الفضيلة والأخلاق لم يدخل عقول الصينيين أبدا".
و"كانت" الذي يُعتبر احد أربعة فلاسفة هم الأكثر نفوذا في الفكر الغربيّ ليس الوحيد الذي يعتبر أن الصينيين والهنود، والشرقيين عموما، عاجزون عن الفلسفة. بل حتى الفلاسفة الغربيون المعاصرون يرون انه لا توجد فلسفة صينية أو هندية ويعتبرون أن هذا من الأمور المسلّم بها.
ويقال أحيانا، في معرض الدفاع عن وجهة النظر هذه، أن الفلسفة كلمة ذات أصل إغريقيّ، أي أنها تشير حصرا إلى التراث الذي تركه مفكّرو اليونان القديمة. لكن إذا كان منشأ العلم يحدّد نوع الثقافة التي "تمتلكه"، فإن المنطق يقتضي القول انه لا "جبر" في أوربّا لأن الأوربّيين اخذوا ذلك العلم عن العرب.
ذات مرّة، ذهب الفيلسوف الفرنسيّ جاك دريدا إلى الصين لحضور مناسبة ثقافية. وقد أدهش مضيفيه الصينيين عندما قال إن الصين تخلو من أيّ فلسفة وأن الموجود هو "فكر" فقط. ثم أضاف: الفلسفة ترتبط بتاريخ خاصّ وبلغة محدّدة وببعض ابتكارات الإغريق، أي أن الفلسفة لا توجد إلا في أووربّا".
تعليقات دريدا التي تنفي وجود فلسفة صينية تشبه حديث بعض الغربيين عن فكرة الهمجيّ النبيل، أي الشخص الذي لم يتلوّث بالتأثيرات الغربية المفسدة. لكن، ولذلك السبب بالذات، فإنه ممنوع من المشاركة في ثقافة أعلى منه وأكثر تفوّقا من ثقافته.
ومع أن الكثير من الفلاسفة الانغلوساكسون ينفون وجود فلسفة خارج أمريكا وأوربّا، إلا أن البعض منهم يسلّمون بوجود "فلسفة ما" في الهند والصين، لكنهم يفترضون أنها ليست بمثل جودة ورقيّ الفلسفة الأوربّية.
وهم يصفون أفكار كونفوشيوس بأنها مجرّد حكم وأقوال مأثورة غامضة. ويضيفون أن كلّ شيء شرقيّ هو انفعاليّ وطفوليّ وغير عقلانيّ، بينما كلّ ما هو غربيّ هو نقيض لهذه الصفات.
ويبدو أن الفلسفة الغربية كانت في الماضي أكثر انفتاحا وتسامحا ممّا هي عليه اليوم. فأوّل ترجمة لأقوال كونفوشيوس إلى اللغات الأوربّية وضعها مبشّرون يسوعيّون كانوا قد درسوا تراث أرسطو كجزء من عملهم.
وطبقا للفيلسوف الألمانيّ كريستيان وولف، فإن كونفوشيوس اثبت انه من الممكن أن يوجد نظام أخلاقيّ غير مستند إلى رسالة سماوية أو ديانة طبيعية، وأن الأخلاق يمكن أن تكون منفصلة تماما عن مسألة الإيمان بإله.
وعندما صادق وولف على كلام كونفوشيوس هذا، تصدّى له المحافظون المسيحيون، فحرّضوا عليه العوامّ، وفي النهاية فُصل من وظيفته قبل أن يُطرد من بلده بروسيا. لكن ذلك الرأي أهّله في ما بعد لأن يكون احد أبطال عصر التنوير الأوربّيّ.
بيتر بارك، الذي ألّف كتابا عن العنصرية في الفلسفة، قال إن معظم المؤرّخين في القرن الثامن عشر كانوا يتبنّون فكرة تقول إن الفلسفة بدأت أوّل الأمر في الهند وأن الهنود هم من منحوها للإغريق. لكن هذا الحال تغيّر عندما استُبعدت آسيا وإفريقيا من قانون الفلسفة على أيدي أنصار "ايمانويل كانت" الذين أعادوا كتابة تاريخ الفلسفة كي يجعلوا مثاليّته النقدية تبدو وكأنها ذروة ما توصّل إليه العلم.
كما أن المثقّفين الأوربّيين تقبّلوا فكرة تفوّق العِرق الأبيض وبأنه لا يوجد عِرق آخر يمكن أن يُبَلوِر فلسفة. كان استبعاد الشرق قرارا وليس نتيجة اقتناع. و"كانت" نفسه كان شخصا عنصريّا عندما تعامل مع العِرق كموضوع علميّ وربطه بالقدرة على التفكير المجرّد، وكذلك عندما نظّر عن مصير الأعراق ورتّبها بشكل تفاضليّ.
كان "كانت" يرى أن لدى البيض جميع المواهب والدوافع الفطرية. أما الهنود فلديهم قدر كبير من الهدوء، وهم يبدون كالفلاسفة لكنّهم ميّالون إلى الغضب والعاطفة. كما أن تعليمهم جيّد، لكنْ في الفنون وليس في العلوم. ولهذا السبب لم ينجحوا في وضع مفاهيم مجرّدة.
أما الصينيون، برأي "كانت"، فـ "قَوم جامدون" لأن كتب تاريخهم تُظهِر أنهم لا يعرفون الآن أكثر ممّا كانوا يعرفونه في الماضي.
أما الأفارقة، والكلام ما يزال لـ "كانت"، فلديهم الشغف والحيوية، لكنهم ثرثارون. ويمكن تعليمهم، لكن فقط كما يُعلَّم الخدَم.
أما الهنود الحمر برأيه فإنهم لا يقبلون التعليم لأنهم يفتقرون للتأثير والشغف. وهم ليسوا عاطفيين ولا يتوفّرون على مخيّلة خصبة، كما أنهم كسالى ويتكلّمون بصعوبة ولا يهتمّون بشيء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة